Muctamid Ibn Cabbad
المعتمد بن عباد: الملك الجواد الشجاع الشاعر المرزأ
Genres
ويؤخذ من كلام الفتح فيما بعد أن المغيرين دخلوا البلد مرة أخرى من الوادي، أي من جهة نهر إشبيلية المسمى الوادي الكبير، وأن المعتمد استبسل في الحرب حتى هزم المغيرين وألجأهم إلى النهر فغرق فيه من غرق، فالبلد دخل من أحد الأبواب فحارب المعتمد حتى رد الداخلين وسد الباب، ثم دخل من الوادي فرد المعتمد أعداءه كذلك، يقول الفتح بعد ذكر الوقعة الثانية:
ثم انصرف وقد أيقن بانتهاء حاله، وذهاب ملكه وارتحاله. وعاد إلى القصر واستمسك فيه يومه وليلته مانعا لحوزته، دافعا للذل عن عزته، وقد عزم على أفظع أمر، قائلا: بيدي لا بيد عمرو. ثم صرفه تقاه عما نواه (يعني أنه هم بالانتحار) فنزل من القصر بالقسر إلى قبضة الأسر، فقيد للحين، وحان له يوم شر ما ظن أنه يحين ...
ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت، وضمتهم جوانحها كأنهم أموات، بعد ما ضاق منهم القصر، وراق منهم العصر، والناس قد حشروا بضفتي الوادي، وبكوا بدموع كالغوادي، فساروا والنوح يحدوهم، والبوح باللوعة لا يعدوهم.
ويقول المراكشي: إن دخول جماعة من الباب ودفع المعتمد إياهم كان الثلاثاء منتصف رجب. ويقول : إن الجيوش دهمت المدينة عصر ذلك اليوم من البر ومن الوادي، ودام القتال أياما إلى أن جاء قائد المرابطين سير بن أبي بكر بن تاشفين، بعساكر متظاهرة، وحشود من الرعية متوافرة، والناس في خلال هذه الأيام قد خامرهم الجزع، وخالط قلوبهم الهلع، يقطعون السبل سباحة، ويعبرون النهر سياحة، ويتولجون مجاري الأقذار، ويترامون من شرفات الأسوار؛ حرصا على الحياة، والموفون بالعهد المقيمون على صريح الود ثابتون إلى أن كان يوم الأحد لإحدى وعشرين ليلة خلت من رجب من السنة المذكورة، وهذا يوم الكائنة العظمى والطامة الكبرى، فيه حم الأمر الواقع، واتسع الخرق على الراقع.
ويستمر المراكشي بعد وصفه ناقلا كلام الفتح الذي تقدم.
ثم يقول:
وأجبر على مخاطبة ابنه المعتد بالله والراضي بالله، وكانا بمعقلين من معاقل الأندلس المشهورة لو شاءا أن يمتنعا بها لم يصل أحد إليهما، أحد الحصنين يسمى رندة والآخر مارتلة، فكتب رحمه الله وكتبت السيدة الكبرى أمهما مستعطفين مسترحمين معلمين أن دم الكل منهم مسترهن بثبوتهما، فأنفا من الذل، وأبيا وضع يديهما في يد أحد من الناس بعد أبيهما، ثم عطفتهما عواطف الرحمة، ونظرا في حقوق أبويهما المقترنة بحق الله - عز وجل - فتمسك كل منهما بدينه ونبذ دنياه، ونزلا من الحصنين بعد عهود مبرمة ومواثيق محكمة، فأما المعتد بالله فإن القائد الواصل إليه قبض عند نزوله على كل ما كان يملكه، وأما الراضي بالله فعند خروجه من قصره قتل غيلة وأخفي جسده.
والأبيات التي رواها الفتح فيما تقدم يزيد عليها المراكشي في روايته ثلاثة أبيات قبلها:
لما تماسكت الدموع
ونهنه القلب الصديع
Unknown page