الحكم لغلبة الظن بعد ذلك. والحكم هو مستفاد من قرائن محصورة فيعمل عليها، وقرائن العدالة مأخوذة من أمر مطلق فتلغى، وقد أمليتُ من هذا طرفًا في شرح البرهان، وذكرت طريقة أبي المعالي، وطريقي لما تكلمنا فيما جرى بين الصحابة من الوقائع والفتن ﵃ أجمعين.
وهذا المقيم ببلد الحرب إن كان اضطرارًا فلا شك أنه لا يقدح في عدالته، وكذا إن كان تأويله صحيحا مثل إقامته ببلد أهل الحرب لرجاء هداية أهل الحرب أو نقلهم عن ضلالة ما وأشار إليه الباقلاني، وكما أشار أصحاب مالك في جواز الدخول لفكاك الأسير، أما لو أقام بحكم الجاهلية والإِعراض عن التأويل اختيارا فهذا يقدح في عدالته. واختلف المذهب في رد شهادة الداخل اختيارا لتجارة، واختلف في تأويل المدونة فيها أشد، فمن ظهرت عدالته منهم وشك في إقامته على أي وجه، فالأصل عذره لأن جل الاحتمالات السابقة تشهد لعذره، فلا ترد لاحتمال واحد إلا أن تكون قرائن تشهد أن إقامته كانت اختيارًا لا لوجه.
وأما الثاني وهو تولية الكافر للقضاة والأمناء وغيرهم لحجز الناس بعضهم عن بعض فواجب، حتى ادّعى بعض أهل المذهب أنه واجب عقلًا، وإن كان باطلًا تولية الكافر لهذا القاضي؛ إما بطلب الرعية له وإقامته لهم للضرورة، لذلك فلا يقدح في حكمه وتنفيذ أحكامه، كما لو كان ولاه سلطان مسلم، وفي كتاب الأمان (٧٧) في مسألة: الحالف ليقضينّك حقك إلى أجل، أقام شيوخ المكان مقام السلطان عند فقده لما يخاف من فوات القضية، وعن مطرف وابن الماجشون فيمن خرج على الإِمام وغلب على بلد فولى قاضيًا عدلًا فأحكامه نافذة" انتهى (٧٨).