في العقيدة أحدثه الشيعة المتغلبون على البلاد الذين حاربوا السنة حربا شعواء في مذهب مالك الذي تقلده عامة أهل المغرب إلى أن رفع ذلك الكابوس المعز بن باديس الصنهاجي الذي قال في حقه ابن خلدون: وكان المعز منحرفا عن مذاهب الرافضة (٣٨) كما تقدم. وأحفظ ذلك نفوس رجال الدولة العلوية فانتقموا منه بإرسال طوائف العرب من هلال الذين كانوا مع القرامطة فنزل هؤلاء على البلاد نزول الصاعقة وقضَوْا على حضارتها وما شيدته الدول القائمة بإفريقية.
وكان ذلك السبب الأكبر في انتزاء الولاة على ما في حوزتهم أو المتغلبين على ما استطاعوا التغلب عليه.
وفي هذا الجو القائم على الانقسام عاش المازري ورأى أن البلاد المنسوب إليها قد اختفت منها راية الإِسلام والبلاد التي يعيش فيها قريبة من ذلك، كما رأى احتلال نصارى جنوة للمهدية سنة ثمانين بعد الأربعمائة (٤٨٠) ولم يخرجوا منها إلا بعد أن بذل لهم تميم مائة ألف دينار ومع ذلك يقلعون بما حصل في أيديهم من المسلمين ونسائهم وأبنائهم (٣٩).
وسبب هذا الضعف والجبن والركون إلى المذلة هو أن أهل إفريقية مالوا إلى الدعة وركنوا إلى ملاذ العيش وملاهي الحياة، ففقدوا المعرفة بفنون الحرب وهابوا الموت. وفي ذلك يقول أبو الحسن محمد بن الحداد من قصيد له:
غَزَا حمَانَا العَدُوُّ في عَدِدٍ ... هُمُ الدُّبَى كَثْرةً أوِ النَّغَفُ (٤٠)
عِشْرُونَ ألْفًا وَنصفُهَا ائتَلَفوا ... مِنْ كُلّ أوْبِ لَبِئْسَمَا ائتَلَفُوا
_________
(٣٨) ابن خلدون ج٦ ص ٣٢٥.
(٣٩) رحلة التجاني ص ٢٣٨.
(٤٠) الدبى صغار الجراد، والنغف دود في أنوف الإِبل.
1 / 29