فلم يظنوه صاحب المجلس. وبعد قتلهم للمذكرر خرجوا، فلما عرفوا أنه ليس أبا علي رجعوا وتعاوروه بسكاكينهم وجرحوا جماعة ممن في المسجد، فحمل أبو علي إلى داره وبه حشاشة فتوفي في ليلته.
وارتجت المدينة، وثارت الصيحة من نواحي القيروان، واشتغل الناس عن أبي علي بسبب النهب، واحتراق الأسواق، والاستيلاء على أموال التجار.
وبسبب هذا الهيعة أراد العامل بالقيروان إرضاء الناس فجاء برجلين وقال: إنهما القاتلان لأبي علي فقتلهما.
وفي مقتله يقول ابن الوارق:
مُضَرَّجٌ بِدَمِ الإِسْلاَمِ مُهْجَتُه ... مِنْ بَيْنِ أحْشَاءِ دينِ الله تُنْتَزَعُ (٢٩)
إن الصناهجة أرادوا القضاء على الانتفاضة ولكن لما غلبهم الأمر أظهروا أن مقتل أبي علي ابن خلدون ليس من الحكومة وإنما هو افتيات من ذينك الرجلين المقتولين ظاهرا بدمه، والله أعلم هل هناك سبب موجب للقتل غير قتل ابن خلدون أو ليس هناك سبب حقيقي، والمقطوع به أنهما بريئان من دم أبي علي ابن خلدون.
جنوح صنهاجة إلى السنَّة:
وبهذا ندرك أن الدولة الصنهاجية أصبحت عاجزة عن تلافي الأمر وليس سبب الانتفاضة قاصرا على روح العامة، بل من رجال السلطة من كان يثير العامة فإن الانتفاضة المذكورة كان العامل بالقيروان الذي قامت في أيامه تلك الانتفاضة وهو منصور ابن رشيق يمشي كأنه يسكّن الناس، وهو يشير إلى العامة بالزيادة فلم يقدر السلطان على ضبط الأمور فولى عاملا آخر فتعذر
_________
(٢٩) المدارك: ج٤ ص ٦٢٦.
1 / 22