يقول: فزع الحساد منه فزعًا عظيمًا بحيث لا قرار لهم من الخوف، حتى كأن ما بهم من الخوف يحدر أنفسهم مرةً ويصعدها أخرى، وهذا الفزع يجوز أن يكون من حيث أنهم خافوا أن يعظم محله بانتقامه منهم، أو خافوا نفس الانتقام.
تبكي على الأنصل الغمود إذا ... أنذرها أنه يجردها
لعلمها أنها تصير دمًا ... وأنه في الرقاب يغمدها
الهاء في أنذرها، وفي يجردها، للأنصل. وفي علمها للغمود، وفي أنها للأنصل، وكذلك في يغمدها والضمير في أنه للمدوح وقوله: تصير دمًا أي تختضب بالدماء.
يقول: تبكي الغمود على الأنصل إذا أعلمها الممدوح، وخوفها أنه يجردها ويخرجها من غمودها، وإنما تبكي الغمود لأنها تعلم أنها تصير دمًا، وأنه يغمدها في رقاب أعدائه، فيجعل رقابهم أغمادًا لها بعد إغماده إياها في أغمادها، ومثله لحسان قوله:
إذا ما غضبنا بأسيافنا ... جعلنا الجماجم أغمادها
أطلقها فالعدو من جزعٍ ... يذمها والصديق يحمدها
الهاء في أطلقها وفيما بعده للأنصل، وإطلاقه لها لقتلهم بها. إطلاق يده بالضرب بها في الأعداء.
يقول: يذم العدو هذه السيوف التي أطلقها الممدوح، لعلمهم أنه يقتلهم بها، والصديق يثني عليها لأنها تكسبه العز لما تجلبه من الظفر للمدوح، وبين أن العدو يذمها جزعًا؛ ليدل على أنها غير مذمومة في الحقيقة، وحقق ذلك بقوله: والصديق يحمدها.
تنقدح النار من مضاربها ... وصب ماء الرقاب يخمدها
قدحت النار فانقدحت، والمضارب: جمع مضرب، وهو حد السيف الذي يضرب به.
يقول: تقطع هذه السيوف ما تحتها مما تصيبه حتى تصل إلى الأرض وتهوي فيها، ولا يردها إلا حجرٌ يقدحها، ويتبعها الدم من الموضع الذي أصابته فيخمدها.
وقيل: إن انقداح النار: حين قدت اللحم وقطعت العظام فتقدح منها النار من شدة الوقع، ثم انصب عليها الدم فأخمدها.
إذا أضل الهمام مهجته ... يومًا فأطرافهن تنشدها
أي أنها تطلب الهمام: وهو الملك العظيم الهمة، والذي إذا هم بالأمر أمضاه، وقد روى: أطرفهن بفتح الفاء وينشدها بالياء وفتحها، وكذلك بالتاء وفتحها، من نشدت الضالة: أي طلبتها، وروى فأطرافهن بضم الفاء وتنشدها بالتاء وضمها، من أنشدت الضالة: إذا عرفتها.
والمعنى على الأول: أن الهمام إذا اشتد عليه القتال حت أضل مهجته فيه، وهو أن يصادفها مجروحة أو مقتولة، فإنه يطلبها عند أطراف سيوف هذا الممدوح؛ لأن من شأنها إصابة مهج الملوك. ويكون نصب أطرافهن على الظرف، تقديره: أطرافهن تنشدها، أو يكون المراد بإضلالها: أن يذهل عنها فزعًا، فيكون كأنه أضلها، فعند ذلك يطلبها من أطراف سيوفه لاعتيادها لأرواح الملوك، فهي التي تدل كل ملك على مهجته إذا قتلت، أو جرحت فلم يهتد لها، ولم يقدر على ارتجاعها فإن أطراف سيوفه هي التي تدل عليها. وتقول: هي عندنا. إذ هي موكلة بمهج الملوك وسالبةٌ لها، ويحتمل أن يكون المراد به أن أطراف سيوفه تنشد للهمام مهجته عند إضلاله إياها وإشرافه لها على الهلاك، وتنقذها من الضلال فتكون هي الناشدة لها، وقد روى بدل: الهمام الشجاع.
قد أجمعت هذه الخليقة لي ... أنك يا ابن النبي أوحدها
وأنك بالأمس كنت محتلمًا ... شيخ معدٍّ وأنت أمردها
الإجماع: اتفاق الكلمة على الشيء، والخليقة: البرية. والأوحد: الذي لا ثاني له، والهاء فيه للخليقة، وأراد بأنك: أنك وأجراها مع المضمر كالمظهر من قوله:
كأن ثدييه حقان
ومحتلمًا: نصب على الحال، وشيخ معدٍّ: نصب بخبر كان، وروى: وأنت بالأمس مكان وأنك.
يقول: قد اتفقت البرية كلهم يا ابن رسول الله على أنك أوحد هذه البرية؛ وإنما قال ذلك؛ لأنه علوي، ولا خلاف في شرفهم، واتفقتْ أيضًا أنك كنت بالأمس في حال احتلامك شيخ هذه القبيلة المنتسبة إلى معد بن عدنان ورئيسهم، وأنت حينئذ أمرد، فكيف بك اليوم وقد علا سنك، وقد جربت الأمور، فإذا كنت قد سدتهم في أول أوان البلوغ فالآن أنت بالسيادة أولى.
فكم وكم نعمةٍ مجللةٍ ... ربيتها كان منك مولدها
1 / 7