276

Mucjiz Ahmad

اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي

Genres

Rhetoric
يقول: أنت أعدل الناس إلا بيني وبينك، فأنت لا تنصفني ولا تعينني قدر ما أستحقه عندك من المنزلة. فيك الخصام: أي الخصومة بيني وبين أعدائي وقعت فيك، وأنت الخصم: لأنك ملت إليهم، ولأني أخاصمك على منزلتي عندك، وأنت الحاكم: فاحكم على نفسك، فوفني ما أستحقه من المنزلة! وقيل: معناه مع ذلك كيف أطمع في الانتصاف منك! أعيّها نظراتٍ منك صادقةً ... أن تحسب الشّحم فيمن شحمه ورم نظران نصب على التمييز. قال أبو الفتح: قلت له: الهاء في أعيذها لأي شيء تعود؟ فقال: إلى النظران. أجاز الأخفش مثله في قوله تعالى: " فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ " وقال أبو الفتح: وإنما جاز إضمارها قبل الذكر، لأنها كانت مشاهدة في الحال، فاكتفى بمشاهدتها من تقدم ذكرها. يقول: أعيذ نظراتك الصادقة، أن تغلط، فترى الشيء على خلاف الحقيقة، فتحسب الشحم ورمًا فجعل الشحم مثلا لنفسه، والورم لسائر الشعراء. وما انتفاع أخي الدّنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظّلم بناظره: أي ببصره. يقول: إن الإنسان إذا لم يفرق بين النور والظلمة، فاستويا في عينه، فلا ينتفع بناظرهن بل هو بمنزلة الأعمى. يعني أن حاله تخالف غيره من الشعراء والفضلاء، وأنت إذا لم تميز بيننا كنت كالأعمى. أنّا الّذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي من به صمم من في موضع نصب، لأنه مفعول أسمعت وفاعله كلماتي وأراد بها القصائد. يقول: إذا نظر الأعمى إلى أدبي يعرفه ويراه، فكيف البصير؟! والأصم يسمع شعري، فكيف السميع؟! معناه أن أدبي وشعري قد اشتهرا، حتى استوى في معرفتها العالم والجاهل، فضرب الأعمى والأصم مثلا للجاهل الذي لا يتفكر فيعرف. أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جرّاها ويختصم جراها: من أجلها، والهاء في شواردها للكلمات، وهي جمع شاردة: أي سائرة تروى بكل مكان. وقيل: معناه أنها تشرد، وتصعب على صاحبها. يقول: أنا أقول القصائد الشوارد عفوًا، من غير إتعاب فكر، وأنام عنها ملء جفوني، والخلق كلهم يسهرون من أجلها، ويتنازعون في دقيق معانيها، وجودة مبانيها. وقيل: معنى قوله: أنام أي أموت. والأول أظهر. وجاهل مدّه في جهله ضحكي ... حتّى أتته يدٌ فرّاسةٌ وفم فراسة: من الفرس، وهو دق العنق. يقول: ﵁ جاهل غره ضحكي في وجهه، فتمادى في جهله، حتى سطوت عليه وقصدته مني يد فراسة، وفم: أي أهلكته بيدي ضربًا وقتلا، وأهلكته بفمي من طريق الهجو، والذم. إذا رأيت نيوب اللّيث بارزةً ... فلا تظنّنّ أنّ اللّيث مبتسم يقول: لما رآني أكشر الأسنان، حسب أني مسرور بفعله، ولم يعلم - من جهله - أني كالليث، إنما يكشر عن أنيابه وأسنانه، إذا اشتد غضبه. والأصل فيه قول عنترة: لا رآني قد نزلت أريده ... أبدى نواجذه لغير تبسّم ومهجةٍ مهجتي من همّ صاحبها ... أدركتها بجوادٍ ظهره حرم الهاء في صاحبها وأدركتها للمهجة الأولى. يقول: رب نفس كانت همتها إتلاف نفسي، فأدركتها بفرس جواد، ظهره حرم: يعني من ركبه أمن، لأنه إذا طلب فات، فلا يخاف أحدًا، كما لا يخاف سكان الحرم. رجلاه في الرّكض رجلٌ واليدان يدٌ ... وفعله ما تريد الكفّ والقدم الركض: في الأصل ضرب الدابة بالرجل لتعدون، ثم ذكر ذلك حتى قيل لنفس العدو ركض فيقال: ركض الفرس: أي عدا. يقول: إن رجليه تقعان معًا على الأرض وكأنهما رجل واحدة، وكذلك يداه وأنه لجودة جريه يغني راكبه عن تحريك يده بالسوط، وتحريك رجليه للركض، بل هو يعطيه من العدو ما يطلبه منه، بيده وقدمه، ذكره ابن جني. وقال غيره: معناه أن فرسه مؤدب مطيع لفارسه، متصرف على اختياره، فكأن رجليه رجل راكبه، فيضع قوائمه حيث شاء صاحبه، ويتصرف راكبه فيهما، كما يتصرف في جوارح نفسه. ولا يقال: إن هذا المعنى الذي ذكرتموه هو معنى المصراع الثاني، فيكون المصراعان واحدًا، فليس فيه إلا التكرير بلا فائدة.

1 / 276