من ذا يكذب في شهودٍ أربعًا؟! ... وشهود كل قضيةٍ اثنان:
خفقان قلبي واضطراب مفاصلي ... ونحول جسمي واعتقال لساني
أي يومٍ سررتني بوصالٍ ... لم ترعني ثلاثةً بصدود
يقول: اذكر أيها الغزال أي يوم واصلتني فيه، فسررتني بوصلك ولم ترعني بصدود ثلاثة أيام!
ما مقامي بأرض نحلة إلا ... كمقام المسيح بين اليهود
روى: نخلة. بالمعجمة، قيل: هي محله بالكوفة، وروى: بالحاء المهملة وهو الأصح. وهو: مكانٌ بالشام. وقيل: إنه على ثلاثة أميال من بعلبك.
يقول: ليس مقامي بين أهل هذا المكان وإيذائهم إياي واستخفافهم بي، إلا كمقام السيد المسيح بأرض اليهود؛ لكثرة عداوتهم له.
وروى: أنه لقب المتنبي بهذا البيت.
وقيل: بل بالبيت الذي يقول فيه:
أنا في أمةٍ، تداركها الله ... غريبٌ كصالح في ثمود
مفرشي صهوة الحصان ولكن ... قميصي مسرودةٌ من حديد
لأمةٌ فاضةٌ أضاةٌ دلاصٌ ... أحكمت نسجها يدا داود
الصهوة: مقعد الفارس من الفرس. والحصان: الفرس الكريم الذكر. يصف بهذا شدة حذره من القوم، وهم أهل نحلة.
يقول: مفرشي مقعد الفارس؛ لكوني عليه ليلًا ونهارًا، وقميصي ودرعي التي هي مسرودة من حديد؛ لمواظبتي على الحرب وشدة تحرزي من أعدائي.
ثم وصف درعه الحديد فقال: لأمةٌ: أي ملتئمة الصنعة، مجتمعة فاضةٌ: سابغة. أضاةٌ: أي صافية. وهي صفة الغدير شبهها به لصفائها وزرقتها كالماء الذي في الغدير. دلاصٌ: أي براقة. أحكمت نسجها: يدا داود: أي هي من عمل داوود ﵇، وهي أوثق ما تكون من الدروع؛ لأنها مسرودة غير مسمورة، وهذا غاية ما يمدح به الدرع.
أين فضلي إذا قنعت من الده ... ر بعيشٍ معجل التنكيد؟!
التنكيد: التقليل. يشكو سوء حاله مع فضله، وبعد محله.
فيقول: أين فضلي إذا رضيت من الدهر بعيش قليل الخير؟
ضاق صدري وطال في طلب الرز ... ق قيامي وقل عنه قعودي
ويروى: ضاق صدري.
يقول تأكيدًا لما تقدم من البيت: ضاق صدري لما بي من ضيق الرزق، وطال قيامي في طلب رزقي، وقل قعودي عنه.
أبدًا أقطع البلاد ونجمي ... في نحوسٍ وهمتي في سعود
يقول: أنا أجوب البلاد أبدًا، ولا أفتر عن السعي، لكن نجمي في نحوس فلا يساعفني وهمتي في سعود.
ولعلي مؤملٌ بعض ما أب ... لغ باللطف من عزيزٍ حميد
ويروى: ولعلي مبلغ بعض ما آمل؛ وهذا ظاهر؛ لأن التسلي لم يدخل في الأمل، وإنما يدخل في الوصول إلى المأمول، وعلى الرواية الظاهرة لابد أن يكون مقلوبًا، فيكون راجعًا إلى ما ذكرناه في الرواية الأولى، ويجوز أن يحمل على ظاهره ويريد أنا راجٍ بعض ما أبلغ من العيش الهني، والمكان السني، بلطف الله العزيز الحميد.
لسريٍّ لباسه خشن القط ... ن ومروي مرو لبس القرود
السري: السيد ذو المروءة وقيل: أراد به الممدوح، وإن كان ممن يلبس الخشن للزهد والتواضع.
فيقول: إنه سري، لباسه خشن القطن، وليس فيه ما يوجب الضعة؛ وإن المروي: لبس القرود والسفلة من الناس، ولم يدل على رفعتهم.
وقيل: أراد بالسري: نفسه وأن لباسه خشن القطن، لما به من الفاقة، ثم بين أنه لا يقنع بالمروي، لأنه لباس السفلة من الناس، وإن همته ترتفع عن الاقتصار على ذلك، بل يريد ما هو فوقه من الثياب الثمينة النفيسة.
عش عزيزًا أو مت وأنت كريمٌ ... بين طعن القنا وخفق البنود
خفق البنود: اضطراب الرايات، وهي جمع: بند، وهو العلم. يحض نفسه أو صاحبه على طلب العز والعلا، وينهاه على النزول على الفاقة في الشقاء.
يقول: عش عزيزًا إن أمكنك، وإلا فمت كريمًا، بين المطاعنة وخفق الرايات؛ فإن من مات بين هذه الأشياء مات عزيزًا، لبقاء الذكر الحسن بعد موته، وكل هذا للمنع من الذل، والحث على طلب العلو.
فرءوس الرماح أذهب للغي ... ظ وأشفى لغل صدر الحقود
بنى من أذهب: أفعل التفضيل وهو لا يأتي إلا من الأفعال الثلاثية المجردة عن الزيادة، فإن كان بناءه من ذهب فهو لازم فلابد من الباء للتعدية، وهو أن يقول: أذهب بالغيظ، ذلك رواية. فأما أذهب للغيظ فهو محمول على أنه حذف من أذهبت، ثم بنى بعد رده إلى ثلاثة أحرف أفعل، كقوله تعالى: " أي الحزبين أحصى " لأنه من أحصيت.
1 / 17