Mucjiz Ahmad
اللامع العزيزي شرح ديوان المتنبي
Genres
Rhetoric
يا بدر إنك، والحديث شجون ... من لم يكن لمثاله تكوين
شجون: أي ضروب. وهو مأخوذ من شجون الوادي: وهي شعبه. وهو مثلٌ قديم، وأصله: الحديث ذو شجون فحذف المضاف. والتكوين: الإيجاد. ومن بمعنى: الذي. وهو خبر إن، واسمها: الكاف. من إنك وقوله: والحديث شجون. اعتراض بين اسم إن وخبرها؛ وإنما جاز ذلك لأن فيه ضربًا من التوكيد. ويجوز أن يكون من نكرة موصوفة. أي إنك رجل ليس له نظير.
وتقدير البيت: يا بدر إنك من لم يكن لمثاله تكوين. أي لم يخلق له نظير.
لعظمت حتى لو تكون أمانةً ... ما كان مؤتمنًا بها جبرين
اللام في لعظمت: جواب لقسم محذوف: أي والله لقد عظمت. ولا يجوز أن تكون لام الابتداء؛ لأنه مختص بالاسم. وجبرين لغة: أي جبريل. وقيل: إن النون بدل من اللام.
يقول: إنك عظيم القدر فلو كنت من جملة الأمانات لكان جبريل غير مؤتمن بها على الوحي، وهذا إفراط.
بعض البرية فوق بعض خاليا ... فإذا حضرت فكل فوق دون
خاليًا: نصب على الحال.
يقول: إذا خلا الناس منك تفاضلوا في الشرف، فإذا حضرت استووا في التقصير، وصاروا كلهم دونك. أخذه من قول بشار:
وكانت نساء الحي ما دمت فيهم ... قباحًا، فلما غبت صرن ملاحا
غير أن المتنبي قلبه.
وقال يمدح بدر بن عمار:
فدتك الخيل وهي مسوماتٌ ... وبيض الهند وهي مجردات
مسومات: يجوز أن يكون أراد به معلمات. ويجوز أن يريد به مرسلات. والواو في قوله: وهي في الموضعين: واو الحال. المعنى يدعو له ويقول: الخيل المسومة والسيوف المجردة من الأغماد فداءٌ لك؛ وإنما فداه بها لأنها لو فقدته لم يعملها أحد إعماله.
وصفتك في قوافٍ سائراتٍ ... وقد بقيت وإن كثرت صفات
التاء في كثرت: ضمير القوافي: وصفات: رفع بقوله: بقيت.
يقول: قد وصفتك بقصائد يرويها كل واحد، وتسير بها الركبان، وقد بقيت صفات كثيرة، وإن كثرت القوافي.
أفاعيل الورى من قبل دهمٌ ... وفعلك في فعالهم شيات
أفاعيل: جمع أفعال. والدهم: السود. والشيات: جمع الشية في الفرس. وهو لون يخالف لون الجملة.
يقول: إن أفعالك مشهورة بين أفعال الخلق، فإن أفعالهم تشبه بعضها بعضًا، وأفعالك مباينة لها، مشهورة فيما بينها.
وقال أيضًا يذكر نعم بدرٍ عليه حين انصرافه من عنده ليلًا وقد سمر معه الليل كله:
مضى الليل والفضل الذي لك لا يمضي ... ورؤياك أحلى في العيون من الغمض
الرؤيا: هي ما يرى في النوم. واستعمل ها هنا بمعنى رؤية البصر.
يقول: إن الليل قد مضى، وفضلك باق، وخصالك المحمودة غير منقطعة ولا مبتذلة باختلاف الليل والنهار، ورؤيتك أحلى في العيون من النوم.
على أنني طوقت منك بنعمةٍ ... شهيدٌ بها بعضي لغيري على بعضي
بعضي: في موضع رفع؛ لأنه فاعل شهيد، وعلى: متعلق بفعل محذوف، أي أمدحك على ما طوقتنيه، أو أثني عليك أو نحوه من الأفعال.
يعني: أنك أنعمت علي نعمًا نبت بها لحمي وحسن بها حالي، فظهر أثرها علي، فلو جحدها لساني أقر بها جلدي وحسن حالي.
سلام الذي فوق السماوات عرشه ... تخص به يا خير ماشٍ على الأرض
يستأذنه في الانصراف عن مجلسه إلى منزله.
يقول: سلام الله عليك، وصار مختصًا بك، يا خير من مشى على الأرض.
وأقبل يلعب بالشطرنج فقال له يمدحه قبل انصرافه من عنده والمطر يهطل:
ألم تر أيها الملك المرجى ... عجائب ما رأيت من السحاب؟
روى: مارأيت، وما رأيت. وهو أجود.
يقول: أيها الملك الذي يرجى خيره، هل ترى ما رأيت من عجائب هذا السحاب؟ وهي كثرة الأمطار المتواترة.
تشكي الأرض غيبته إليه ... وترشف ماءه رشف الرضاب
أراد: تتشكى، والهاء في غيبته وما بعده: للسحاب. وترشف: أصله تترشف. أي تمص. والرضاب: قطع الريق.
يقول: تظلمت الأرض إلى السحاب من غيبته عنها، فجاء المطر لتظلمها، فتمص الأرض شهوةً كما يمص العاشق ريق حبيبته. وقيل الهاء في إليه: للممدوح. أي تشكي الأرض إليه غيبته إلى السحاب.
وأوهم أن في الشطرنج همي ... وفيك تأملي ولك انتصابي
همي: أي قصدي. والانتصاب: التصدي للأمر، والقيام به.
1 / 137