وذرني وإياه وطرفي وذابلي ... نكن واحدًا نلق الورى وانظرن فعلي
الهاء في إياه: للنصل. والطرف: الفرس الكريم.
يخاطب من يشبهه بشيء فيقول: دعني مع فرسي وسيفي المذكور، ورمحي، حتى نصير مثل الشيء الواحد في التعاون، نلقي الخلق طرًا، ثم انظر فعلي عند ذلك حتى تعلم ما يمكنك أن تشبهني أم لا؟ وأشهر الروايتين يلقى حملًا على الواحد وروى: نلقى اتباعًا لقوله: نكن حملًا على المعنى.
وقال وهو في المكتب يمدح إنسانًا وأراد أن يستكشفه عن مذهبه:
كفي أراني، ويك، لومك ألوما ... همٌّ أقام على فؤادٍ أنجما
الخطاب للعاذلة، وويك: قريبة من ويحك، وأنجم: أقلع.
وقال ابن جبي: تقدير البيت: كفي ويك، أراني هم أقام على فؤادٍ أنجما، لومك ألوم.
ويكون أراني على هذا منقولًا من رأيت بمعنى: علمت، فيتعدى إلى المفعولين، وإذا عديته بالهمزة تعدى إلى ثلاثة مفاعيل، والفاعل ها هنا هم والمفعول الأول الياء في أراني والثاني لومك والثالث ألوما.
ويكون المعنى: إن الهم الموصوف أعلمني أن لومك إياي أولى بأن يلام، فعلى هذا يكون المصراع الأول متعلقًا بالثاني.
وقال غيره: إن أراني مضارع رأيت بمعنى علمت، فيكون المراد: أرى نفسي، لأن أفعال اشك واليقين يجوز فيها مثل ذلك، ويكون لومك مفعول كفى وألوم المفعول الثاني، من أراني، والمفعول الأول هو الياء.
والمعنى: كفي ويك لومك فإني أراني ألوم منك، أي أكثر لومًا منك، وأحق بأن يلومك على لومك إياي؛ وعلى هذا، المصراع يكون مستقلًا بنفسه، ثم ابتدأ في المصراع الثاني يشكو داءه، وقوله: على فؤادٍ أنجما. أي خارج خلف الأحباب منقلع من أصله كإقلاع السحاب فيكون همٌّ مرفوعًا، لأنه خبر ابتداء محذوف، وتقديره: حالي همٌّ هذه صفته، أو يكون مبتدأ وخبره محذوف تقديره: همٌّ هذه صفته شكواي وألوم على المعنى الأول في معنى الملوم، أي أحق بأن يكون ملومًا فيكون في أفعل مبالغة في المفعول مثل أشغل من ذوات الحنين مبالغة في المشغول، وعلى الثاني بمعنى اللائم أي أقدر على أن يكون لائمًا فيكون أفعل المبالغة في الفاعل، وروى: أثجما بالثاء أي أقام وهذا أولى، لأنه يفيد أن الفوائد لم يقلع بالملام عن الهوى.
وخيال جسمٍ لم يخل له الهوى ... لحمًا فينحله السقام ولا دما
خيال عطف على هم شبه جسمه بالخيال الذي لا حقيقة له لدقته، وأخبر أن الهوى لم يترك له لحمًا ولا دمًا يكون للسقام فيه تأثير، وينحله: أي يعطيه من النحلة، وقيل: هذا أولى؛ لأن النحول لا يكون في الدم.
وحقوق قلبٍ لو رأيت لهيبه ... يا جنتي لظننت فيه جهنما
وحقوق عطف على خيال وهو الضعف والاضطراب، ورأيت خطاب للمحبوبة دون العاذلة؛ بدلالة قوله: يا جنتي وهو حشوٌ حسنٌ؛ والغرض: المطابقة بين الجنة وجنهم.
يقول: لي اضطراب قلبٍ لو رأيت لهيبه يا جنتي لظننت فيه ألهاب جهنم؛ شبهها بالجنة لحسنها ومافيها من الراحة عند وصلها.
وإذا سحابة صد حبٍ أبرقت ... تركت حلاوة كل حبٍّ علقما
الحب: المحبوب والعلقم: شجر ذو ثمر مرٍّ.
يقول: إذا ظهرت دلائل هج الحبيب، تركت حلاوة كل حب مرارةً، فجعل علامة الصدود سحابة، لأنها علامة الهجر، كما أن السحابة علامة المطر.
يا وجه داهية الذي لولاك ما ... أكل الضنا جسدي ورض الأعظما
الضنا: طول المرض، وقيل: داهية، ولهذا لم ينونها كما لا ينون الأسماء الأعلام عند التأنيث كفاطمة، وقيل: إنها كناية عنها وليس باسم لها، وإنما لم ينونها لأنه أقامها مقام اسمها من ترك التنوين كما تقول: رأيت فلانة فلا تنون.
يقول: يا وجه الحبيبة التي هي كالداهية: وهي الأمر العظيم، لولاك ما أكل المرض جسمي وما كسر عظمي، يدل به على أن هواها قد أمرضه مرضًا أثر في جسمه وعظامه!
إن كان أغناها السلو فإنني ... أمسيت من كبدي ومنها معدما
روى منها ردًا إلى المحبوبة، ومنه ردًا إلى السلو، وروى: معدما ومصرما.
يقول: إن كان أغنى هذه المرأة عني خلو قلبها عن محبتي، فإني أمسيت فقيرًا منها ومن كبدي؛ لأنها قد صحبتها وفارقتني إليها فعدمتها، وعدمت الصبر الذي كان في قلبي وكبدي، ولأن الكبد تلفت في محبتها.
غصنٌ على نقوى فلاةٍ نابتٌ ... شمس النهار تقل ليلًا مظلمًا
1 / 10