221

Mucjib

المعجب في تلخيص أخبار المغرب من لدن فتح الأندلس إلى آخر عصر الموحدين

Investigator

الدكتور صلاح الدين الهواري

Publisher

المكتبة العصرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٦هـ - ٢٠٠٦م

Publisher Location

صيدا-بيروت

فحامقتُهُ حتى يقال سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقلُه! ١ واستمر الأمر على ذلك إلى أن استحكم ما في النفوس. ثم إن قومًا ممن يناوئه من أهل قرطبة ويدّعي معه الكفاءة في البيت وشرف السلف، سعوا به عند أبي يوسف؛ ووجدوا إلى ذلك طريقًا، بأن أخذوا بعض تلك التلاخيص التي كان يكتبها، فوجدوا فيها بخطه حاكيًا عن بعض قدماء الفلاسفة بعد كلام تقدم: فقد ظهر أن الزهرة أحد الآلهة....، فأوقفوا أبا يوسف على هذه الكلمة؛ فاستدعاه بعد أن جمع له الرؤساء والأعيان من كل طبقة وهم بمدينة قرطبة، فلما حضر أبو الوليد ﵀ قال له بعد أن نبذ٢ إليه الأوراق: أخطك هذا؟ فأنكر! فقال أمير المؤمنين: لعن الله كاتب هذا الخط! وأمر الحاضرين بلعنه؛ ثم أمر بإخراجه على حال سيئة وإبعاده وإبعاد من يتكلم في شيء من هذه العلوم. وكتبت عنه الكتب إلى البلاد بالتقدم إلى الناس في ترك هذه العلوم جملة واحدة، وبإحراق كتب الفلسفة كلها، إلا ما كان من الطب والحساب، وما يتوصل به من علم النجوم إلى معرفة أوقات الليل والنهار، وأخذ سمت القبلة. فانتشرت هذه الكتب في سائر البلاد وعُمل بمقتضاها. ثم لما رجع إلى مراكش، نزع عن ذلك كله، وجنح إلى تعلم الفلسفة، وأرسل يستدعي أبا الوليد من الأندلس إلى مراكش للإحسان إليه، والعفو عنه. فحضر أبو الوليد ﵀ إلى مراكش، فمرض بها مرضه الذي مات منه ﵀، وكانت وفاته بها في آخر سنة ٥٩٤ وقد ناهز الثمانين، ﵀. ثم توفي أمير المؤمنين أبو يوسف بعد هذا التاريخ بيسير، وكانت وفاته -كما ذكرنا- في غرة صفر الكائن في سنة ٥٩٥.

١- تحامق: تظاهر بالحماقة. ٢- نبذ إليه الأوراق: طرحها.

1 / 225