ذكر فتح جزيرة الأندلس ولمع من تفصيل أخبارها وسير ملوكها ومن كان فيها من الفضلاء منها ومن غيرها
ثم نعود إلى افتتاحها فنقول والله الموفق:
افتتح المسلمون جزيرة الأندلس في شهر رمضان سنة ٩٢ من الهجرة، وكان فتحها على يدي طارق١، قيل: ابن زياد، وقيل: ابن عمرو، وكان واليًا على طنجة، مدينة من المدن المتصلة ببر القَيْروان٢ في أقصى المغرب، بينها وبين الأندلس الخليج المذكور المعروف بالزُّقاق، وبالمجاز. رتبه موسى بن نُصَير٣ أمير القيروان. وقيل: إن مروان بن موسى بن نصير خلف طارقًا هناك على العساكر، وانصرف إلى أبيه لأمر عرض له، فركب طارق البحر إلى الأندلس من جهة مجاز الجزيرة الخضراء، منتهزًا لفرصة أمكنته؛ وذلك أن الذي كان يملك ساحل الجزيرة الخضراء وأعمالها من الروم خطب إلى الملك الأعظم ابنته، فأغضب ذلك الملك، ونال منه وتوعده، فلما بلغه ذلك جمع جموعًا عظيمة وخرج يقصد بلد الملك، فبلغ طارقًا خلو تلك الجهة، فهذه الفرصة التي انتهزها ...
وقيل: إن العِلْج٤ كتب إليه بالعبور لسبب أنا ذاكره، وهو أن لُذْرِيق ملك الجزيرة-لعنه الله- كان له رسم: يوجه إليه أعيان قواده وأمراء دولته ببناتهم، فيربيهن عنده في قصوره ويؤدبهن بالآداب الملوكية حسبما كانوا يرونه....؛ فإذا بلغت الجارية منهن وحسن أدبها، زوجها في قصره لمن يرى أنه كفء أبيها. فوجه
_________
١- هو طارق بن زياد الليثي بالولاء: أصله من البربر. قائد فاتح مشهور. توفي سنة ١٠٢ هـ/ ٧٢٠م. "الأعلام، الزركلي: ٢١٧/٣".
٢- القيروان: مدينة عظيمة بالمغرب، بناها عقبة بن نافع سنة ٤٥ هـ، وجعلها حصنًا لجيشه. "معجم البلدان، الحموي: ٤٢٠/٤".
٣- هو أبو عبد الرحمن، موسى بن نصير بن عبد الرحمن بن زيد اللخمي بالولاء: قائد فاتح، أصله من وادي القرى بالحجاز. توفي سنة ٩٧هـ/٧١٥م. "جذوة المقتبس، الحميدي: ٣١٧".
٤ العلج: الكافر، أو الرجل القوي الضخم من كفار العجم، وقيل: كل صلب شديد: علج، والجمع: علوج.
1 / 16