وأَقول من قسّ إِذا مضى ... من الرمح إِن مسَّ النُّفوس نكالها
وقسّ الذي يقول:
هل الغيث معطى الأمن عند نزوله ... بحال مسيء في الأمور ومحسن
وما قد تولَّى فهو قد فات ذاهبا ... فهل ينفعنِّي ليتني ولو أنَّني
قال أبو حاتم: وذكروا أن وفد بكر بن وائل قدموا على النبي ﷺ، فقال: - هل فيم أحد من قالوا: نعم.
قال: هل لكم علم بقسّ بن ساعدة؟ قالوا: مات يا رسول الله.
فقال رسول الله ﷺ، كأني أنظر إليه بسوق عكاظ يخطب الناس على جمل أحمر، وهو يقول " يا أيها الناس، اجتمعوا واسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ما هو آت آت؛ ثم قال، أَما بعد، فإن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، نجوم تغور، وبحار تمور ولا تغور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، أقسم قسّ قسما بالله وما أَثم، لتطلبنّ من الأمر شحطا، ولئن كان بعض الأمر رضى إن الله في بعضه سخطا، وما بهذا لعبا، وإن من وراء هذا عجبا، أقسم قسّ قسما بالله وما أَثم، إن الله دينا هو أَرضى من دين نحن عليه، ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون، أَنعموا فأقاموا، أو تركوا فناموا ".
وقال رسول الله ﷺ أيضا: وسمعته لفظ بشعر ولساني لا ينطلق به.
فقال بعضهم: أنا أحفظ يا رسول الله، فهل ترى عليَّ فيه شيئا؟ قال: لا، الشعر كلام، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، فهاته.
وذكروا أنه ابن عباس، فقال وهو يومئذ غلام لم يبلغ، فأنشده:
في الذَّاهبين الأوَّلي ... ن من القرون لنا بصائر
لمَّا رأيت مواردا ... للموت، ليس لها مصادر
ررورأيت قومي نحوها ... يمضي الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي ولا ... ينجو من الباقين غابر
أيقنت أنِّي لا محا ... لة حيث صار القوم صائر
قال أبو حاتم، وذكروا أن قوما من إياد قدموا على رسول الله ﷺ فسألهم عن حكمة قسّ فأخبروه، وكان أحسن أهل زمانه موعظة، وأنشدوه قوله:
يا ناعي الموت والأموات في جدث ... عليهم من بقايا بزِّهم خرق
دعهم، فإنَّ لهم يوما يصلح بهم ... كما ينبَّه منّ نوماته الصَّعق
حتَّى يجيء بحال غير حالهم ... خلق مضوا ثمَّ ماذا بعد ذاك لقوا
منهم عراة وموتى في ثيابهم ... منها الجديد ومنها الأوراق الخلق
قال أبو حاتم، وذكر حزم بن أبي راشد قال، أملي علىّ رجل من أهل خراسان من مواعظ قسّ: " مطر ونبات، وآباء وأمَّهات، وذاهب وآت في أوانات، وأموات بعد أموات، وضوء وظلام، وليال وأيام، وغنيٌّ وفقير، وشقيٌّ وسعيد، ومسيءٌ ومحسّن، أين الأرباب العملة " أو قال الفعلة "، إن لكل عامل عمله، كّلا، بل هو الله إله واحد، ليس بمولود ولا والد، أعاد وأبدي، وإليه المعاذُ غدا، أما بعد، يا معشر إياد، فأين ثمود وعاد، وأين الآباء والأجداد، وأين الحسن الذي لم يشكر، والظلم الذي لم ينتقم؟ " أو قال: لم ينكر "، كلا وربّ الكعبة ليعودنَّ ما باد، ولئن ذهب يوما ليعودنّ يوما ".
قالوا: وعاش عوَّام " أو عرّام " بن المنذر بن زبيد بن قيس بن حارثة بن لأم، وأدخل على عمر بن عبد العزيز - رحمة الله - ليزمَّن " أي يكتب في الزَّمني ".
قالوا: وكان عمّر في الجاهلية دهرا طويلا.
فقال له عمر: ما زمانتك هذه؟ فقال فيما زعم ابن الكلبي، أخبرني رجل من بني قيس بن حارثة أنه قال لعمر ابن عبد العزيز:
ووالله ما أدري أأدركت أمَّة ... على عهد ذي القرنين أم كنت أقدما
متى تنزعا عنِّي القميص تبيَّنا ... جآجئ لم يكسين لحما ولا دما
قالوا: وعاش أنس بن نواس بن مالك بن حبيش، ويقال خنيس، بن ربيعة الجسريّ، من جسر محارب دهرا، ونبتت أسنانه بعدما سقطت؛ فقال:
أصبحت من بعد البزول رباعيا ... وكيف الرَّباعي بعد ما شقَّ بازله
ويوشك أن يلقي ثنيَّا وإن يعد ... إلى جذع تثل أخاكم ثواكله
إذا ما اتَّغرنا مرَّتين تقطَّعت ... حبال الصِّبا وانبتَّ منَّا وسائله
1 / 28