وقاسم نصف إِمرتَهِ زُهيرا ... ولم يك دونه في الأمر والي
وأَمَّره على حيَّى مَعدٍ ... وأَمَّره على الحِّي المعالي
على ابني وائل لهما مهينا ... يردُّهما على رغم السبال
بحبسهما بدار الذُّلِّ حتَّى ... أَلمَّا يهلكان من الهزال
قال: وعاش هبل بن عبد الله بن كنانة الكلبي، وهو جدُّ زهير بن جناب ابن هبل بن عبد الله سبعمائة سنة حتى خرف، وغرض منه أهله.
فقالوا: إن بني بنيه، وبني بناته وبني أخيه كانوا يضحكون منه، ومن اختلاط كلامه، وأن نفرا من قومه يقال لهم بنو عبدود بن كنانة جلسوا يوما عنده، فأكثروا التعجب منه، ولم يكونوا في الشرف مثله، منهم جبيل بن عامر بن عوف بن كنانة، وحجل بن عمرو بن عوف بن كنانة، وهما من كلب، ولم يكونا مثله، ولا مثل ولده في الشرف.
فقال هبل بن عبد الله:
ربَّ يوم قد يرى فيه هبل ... ذا سامٍ ونوالٍ وَجَذل
لا يناجيه ولا يَخلو بِهَل ... عبدُ وُدٍ وجبيل وحجَل
" بِهَل، يريد به، واللام زائدة ".
وقال حاطب بن مالك بن الجلاس النهشلي يذكر طول عمر هبل:
كأنَّك ترجوا أَن تعيش ابن مالكٍ ... كعيش هُبَل، لقد سفهت على عَمدِ
وماذا تُرجِّى من حياة ذليلة ... تُعمِّرها بين الغطارفة المُردِ
وأنتَ لقي في البيت كالَّرال مُدنفٌ ... وقد كنت سبَّاقا إلى غاية المجد
وللموت خير لامرئٍ من حياته ... يدبّ ديبا في المحلَّة كالقرد
فلو أَنَّ شيئا نال خلدا لناله ... حليف النَّدى عمرو سليل أَبى الجعد
فتى كان سبَّاقا إلى كل غاية ... يبادر فتيان العشيرة للحمد
قالوا: وكان عمرو سليل أبي الجعد خال حاطب، وهو عمرو بن الحميس بن الجعد ابن رقبة بن لوذان، أَحد ثور أَطحل، وكان سيدا شجاعا، جواجا، قتله أنس ابن مدرك الخشعمي.
قالوا: قال عمارة بن عوف العدواني، ثم أحد بني وابش، وعمِّر خمسين ومائتي سنة، وكان كاهنا أدرك عمر بن الخطاب أول ما ولى، وهو شيخ قد ذهب بصره، وخرف، وأولع بالهذيان، يقول، أقروا ضيفكم.
وهو الذي يقول:
تقول لي عمرةُ ... تهذي به في السِّرِّ والجهرِ
قلت لها، والجودُ من شيمتي ... آمُرُكم في العسر واليسر
بضيفكم إِنَّ له حرمةً ... فاقروا ضيوفي قحد الجزرِ
وارعوا لجار البيت ما قد رعى ... قبلكم ذاك بنو عَمرِو
قوموا لضيفٍ جاءكم طارقا ... وجاركم بالنَّيِّ والخمرِ
قال أبو حاتم: من قال النَّيَ مفتوحة النون أراد الشَّحمَ، ومن قال النَّيَ بالكسر أراد اللحم الطري.
وذببَّوا من رام جيرانكم ... بالسَّوء بالبتر وبالسُّمرِ
واخشوشنُوا في الحرب إن أُوقدت ... بكل خطَّى وذي أَثرِ
" ذو أثر يريد السيف، يراد به لبمأثورة؛ والأثر هو الفرند الذي فيه ".
ولا تهرُّ الموت إن أَقبلت ... خيل تعادي سننَ الدَّبرِ
فربَّ يومٍ قد شهدت الوغى ... بسابح ينقضُّ كالصَّقرِ
أَقدُمُ قوماٍ سادةٍ ذاذةً ... بيضا عن القخر
" ويروى: يحامون عن النَّجر، وهو الأصل ".
لما احتووه جالدوا دونه ... وطار أَقوام من الذُّعرِ
فذاك دهر، ومحار الفتى ... في غير شك مظلم القعر
أَو طعنة تأتي على نفسه ... فهَّاقة تأبى على السَّبر
" يريد جياشة، لا يرد دمها الفتل ".
عُمِّرت دهرا ثمَّ دهرا وقد ... آمل أَن آتي على دهرِ
فإن أَمت فالموت لي خيرة ... من قبل أَن أَهذي ولا أدري
خمسون لي قد أكملت بعدما ... ساعد لي قَرنان من عمري
" قرنان مائتا سنة، ويروى دهران من عمري ".
1 / 12