Kitab al-Muʾattirat wa-miftah al-muskilat
كتاب المؤثرات ومفتاح المشكلات
Genres
وأما الكلام في الفصل الثاني من الكلام في هذه المؤثرات الثلاثة وهو أن الفاعل يجب تقدم تصحيحه على إيجابه وأن المقتضي والسبب بخلافه. فالذي يدل على أن الفاعل يجب تقدم تصحيحه على إيجابه هو أنه لو لم يتقدم تصحيحه على إيجابه لكان مؤثرا على طريق الإيجاب. ولو كان كذلك لم يحسن أمره ولا نهيه ولا مدحه ولا ذمه لأن أمر الواحد بما لا يمكنه الانفكاك منه أو نهيه عنه أو مدحه أو ذمه عليه لا يحسن، ولذلك يقبح أمر المرمي به من شاهق بالنزول أو نهيه عنه ومدحه أو ذمه عليه. وكذلك يقبح أمر السبب والعلة وسائر الموجبات ونهيها ومدحها وذمها على ما توجبه، ولم يقبح ذلك إلا لأنها مؤثرة على سبيل الإيجاب لا يمكنها الانفكاك مما توجبه ولا يتقدم تصحيحها على إيجابها. وفي علمنا بحسن أمر الفاعلين منا ونهيهم ومدحهم على ضروب الإحسان والأفعال الواجبة وذمهم على ضروب القبائح دلالة على أن الفاعل مؤثر على طريق الصحة والاختيار، فيجب تقدم صحة تأثيره على وجوبه حتى يمكنه أن يفعل الفعل وأن لا يفعله إن كان مبتدأ، وأن يفعله بأن يفعل سببه ولا يفعله بأن لا يفعل سببه بأن يكون متولدا، وأن يفعل ضده بدلا منه إن كان له ضد. ولذلك يحسن أمره بالفعل الواجب ونهيه عن ضده، فلو لم يكن قادرا على ضده بدلا منه لم يحسن نهيه عنه لأن نهي الواحد عما لا يقدر عليه قبيح. ولذلك يقبح نهي الأعمى عن نظر العورات والزمن عن مسابقة الخيل العربية ومن لا جناح له عن الطيران، وليس ذلك إلا لأنه نهى له عما لا يمكنه فعله. فثبت أن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على ضده فيصح منه أن يوجده بدلا من ضده وضده بدلا منه. والصحة والبدل يقتضيان الاستقبال لاستحالة دخول البدل في الموجود الحاصل لأن البدل في معنى الاشتراط والاشتراط إنما يكون في المستقبل دون ما وجد وتقضى. فلو لم يتقدم تصحيح كون القادر قادرا على الفعل على وجوبه للزم وجود الضدين معا لأنا قد بينا أن كون القادر قادرا مؤثر في صحة الفعل ووجوده وأن كونه قادرا متعلق بالضدين، فكان يجب، إذا صحح كونه قادرا وجود الضدين ولم يتقدم تصحيحه لهما على إيجابهما، أن يوجدا معا وذلك محال، وكان يجب قبح أمره بالفعل لأن الأمر لا يحسن بما قد وقع وإنما يحسن الأمر بما لم يقع ليقع في المستقبل وذلك ظاهر. فصح بهذه الجملة أنه لا بد من تقدم تصحيح القادر على إيجابه.
وأما الذي يدل على أن المقتضي والسبب بخلافه فهو أنه لو تقدم تصحيحهما على إيجابهما لخرجا عن كونهما مؤثرين على جهة الإيجاب وللحقا بالمؤثر على جهة الصحة والاختيار. ومعلوم مفارقتهما له في الأحكام التي تقدم ذكرها ولأنه قد ثبت أن المقتضيات يستحيل ثبوتها في العدم للذوات ومتى وجدت الذوات صحت المقتضيات ووجبت في وقت واحد. فلو تقدمت صحة المقتضيات على وجوبها للزم أن تصح في حال العدم فكان يجب صحة التحيز على المعدوم إلى غير ذلك من الصفات المقتضيات أو أن يصح وجود الذوات من دون أن تثبت لها الصفات المقتضيات بأن تتقدم صحتها على وجوبها فتصح دون أن تجب. وكل ذلك لا يجوز لما نعلمه من استحالة التحيز وسائر الصفات المقتضيات على المعدومات. ولذلك يستحيل التضاد وإيجاب الصفات على العلل والإدراك على المدركات في حالة العدم لاستحالة الصفات المقتضيات الموجبة لذلك في حال العدم، لأن استحالة حكم العلة تقتضي استحالة ثبوت العلة على الوجه الذي توجب . وكذلك فلا يصح وجود الذوات من دون ثبوت الصفات المقتضيات عن صفاتها الذاتية لأن حكم الوجود ظهور الصفة المقتضاة، إذ لو لم تظهر المقتضاة عنده لم ينفصل الموجود من المعدوم، فإن الموجود إنما يتميز مما ليس بموجود بظهور المقتضاة، ولا يصح أن نجعل التفرقة بين الموجود والمعدوم بصحة المقتضاة على الموجود دون المعدوم، وذلك لأن صحتها لا تعلم إلا بثبوتها فإذا لم تثبت لم يكن طريق إلى صحتها حتى تقع بها البينونة.
وبعد، فلو صحت المقتضاة على الموجود ولم تجب لكانت ثابتة مع الجواز وحال الموجود بالوجود واحدة، فكان ذلك يقتضي افتقارها إلى معنى، ويلحقها بالصفات الثابتة للمعاني ويخرجها عن كونها مقصورة على المقتضي لها والشرط في اقتضائه وهو الوجود، لأن الطريق إلى إثبات المعاني هو ثبوت الصفات مع الجواز والحال واحدة، فبطل تقدم تصحيح المقتضي على إيجابه.
وأما السبب فقد ثبت أن عند وجوده وارتفاع المانع يصح وجود مسببه ويجب عند صحته، وعند عدمه أو حصول مانع يستحيل وجود مسببه. فلو تقدم تصحيحه على إيجابه لصح وجود مسببه عند وجود المانع الذي هو ضده وذلك محال، أو صح أن لا يوجد المسبب عند ارتفاع المانع وذلك أيضا محال. فهذه طريقة القول فيما يكون تأثيره في تصحيح الحكم أو الصفة وإيجابهما.
[الكلام في النوع الثاني]
وأما النوع الثاني من المؤثرات، وهو ما يكون تأثيره في الإيجاب دون التصحيح، فهو العلل. فإن العلة لا توجب الصفة إلا لمن يصح أن يكون عليها في الأصل دون أن توجبها لمن يستحيل كونه عليها بأن تصححها له وتوجبها.
وإنما قلنا ذلك لما نعلمه من أن الكون حاصل مع الجوهر ولونه على سواء في الاختصاص من حيث هو موجود بحيثهما، ثم هو يوجب كون الجوهر كائنا دون أن يوجب كون لونه كائنا. وليس ذلك إلا لأن الجوهر يصح كونه كائنا دون اللون من حيث هو متحيز دونه. فلو كانت العلة تصحح الصفة وتوجبها لوجب أن تصحح كون اللون كائنا، وتوجب له ذلك لأن اختصاصها به كاختصاصها بالجوهر، فلا يجوز أن تصحح لأحدهما وتوجب دون الآخر مع أنها قد حصلت معهما على سواء في نهاية الاختصاص الممكن الذي هو شرط في إيجابها ما توجبه. فإذا استحال ذلك لم يبق إلا أنها توجب كون الجوهر كائنا دون أن تصححه، وإنما المصحح له هو التحيز. وكذلك الحال في العلل التي توجب صفات راجعة إلى الجملة لأنها لا تختص بالجملة دون ألوانها وأكوانها وتأليفاتها وسائر المعاني الحالة فيها، <ثم هي توجب الصفات للجملة دون الأعراض الحالة فيها> لما صحت الصفات على الجملة واستحالت على الأعراض. فلو كانت مؤثرة في التصحيح مع الإيجاب لصححت للأعراض وأوجبت لها الصفات لاختصاصها بها وبالجملة على سواء، وذلك محال لاستحالة كون الأعراض حية قادرة ولاستحالة مقدور بين قادرين. وإذا استحال كون الأعراض حية استحال عليها سائر صفات الجملة لأنها تابعة لكونه حيا في الصحة.
[الكلام في النوع الثالث]
وأما النوع الثالث من المؤثرات وهو ما يكون تأثيره في التصحيح دون الإيجاب، فهو الشرط، فإنه مصحح لوجود المشروط، فإن اقترن به المؤثر وجب المشروط عند صحته، وإن تراخى عنه صح ولم يجب.
أما أنه مصحح فذلك ظاهر فإن كون الحي حيا شرط في كونه عالما وقادرا وفي سائر الصفات الراجعة إلى الجملة، وكذلك فهو شرط في وجود المعاني الموجبة للصفات الراجعة إلى الجملة كالعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك. ومعنى ذلك أنه يصححها حتى لولا كون الذات حية لاستحال كونها عالمة وقادرة إلى غير ذلك، وكذلك فلولا وجود الحياة لاستحال وجود القدرة والعلم والإرادة وغيرها. وكذلك فالتحيز لما كان مصححا لوجود سائر الأعراض المحتاجة إلى المحال سمي شرطا في وجودها. وكذلك البنية لما كانت مصححة لوجود الحياة حتى لولاها لما صح وجود الحياة سميت شرطا في وجودها. وكذلك البنية المخصوصة في تصحيحها لأفعال القلوب.
Unknown page