Muassis Misr Haditha
الاتجاه السياسي لمصر في عهد محمد علي: مؤسس مصر الحديثة
Genres
41
ففي يوم 20 أكتوبر أقلعوا بسفنهم الحربية قاصدين إلى خليج نافارين، ولكن الأتراك كانوا دائما يرتابون في نوايا كودرنجتون وأصحابه؛ ولذلك أطلقت البنادق الرصاص على بحارة إحدى السفن الإنجليزية؛ فأجابت هذه على ذلك بإطلاق قنابلها على الأسطولين التركي والمصري، وإذ ذاك نشبت معركة حامية استمرت من منتصف الساعة الثالثة إلى الغسق، وقد أسفرت عن تدمير الأسطول الإسلامي على بكرة أبيه.
وقد هلل كافة أنصار القضية اليونانية لهذا الحادث الذي قابلته حكومات الحلفاء بالدهشة والاستغراب؛ ذلك أن الحكومات المذكورة كانت قد حاولت أن تستخدم القوة البحرية في أكثر ما يمكن أن يتحقق بواسطتها إذ ليس يخفى أن تأثير الأعمال البحرية في الأعمال البرية بطيء ومحدود وتدريجي، في حين أن ما كان يتمناه الحلفاء هو وقف الأعمال العسكرية في الحال، فهم والحالة هكذا قد كلفوا أميراليهم بمهمة شاقة تكاد تنوء بها كواهلهما، ثم إن تعليماتهم كانت خاطئة وناقصة. وهذا بلا ريب نتيجة الموقف الذي وقفوه مما يتعارض مع المنطق؛ لأنهم في الوقت الذي تظاهروا فيه بالتدخل بين السلطان ورعاياه المتمردين كان تدخلهم في الواقع لإنقاذ اليونانيين، فبينما قد تجاوز هذا العمل البحري المدى الذي كانت تنوي الدول الغربية الذهاب إليه فإنه في الوقت نفسه قد ساعد كل المساعدة على تحقيق الغاية المنشودة. هذه المعركة كانت بمثابة خدمة مزدوجة لمحمد علي، فإنه كان على استعداد لفتح باب المفاوضات مع الحلفاء.
وأكبر الظن أن كرادوك، ولو كان عجل بالوصول إلى مصر بيومين اثنين فقط لما أقلع الأسطول المصري قاصدا إلى المياه اليونانية بتاتا على نحو ما قاله كاننج، ولما اشتبكت الأساطيل في معركة بافارين، وكان من رأي إبراهيم وديوان الآستانة بادئ ذي بدء الانسحاب من المورة شمالا أي إلى خارج مرمى مدافع أساطيل الحلفاء، ولكن محمد علي لم ير معنى لمواصلة هذا الكفاح العقيم. وفي اليوم التالي الذي وصلت إليه أنباء معركة نافارين أبلغ القنصل الإنجليزي بأن الحرب لو اشتعلت بين تركيا وبريطانيا العظمى فلا خوف مطلقا على الرعايا الإنجليز في مصر، ثم قال: «أعلم كيف أقدر أن أحتفظ بما لي من سمعة حسنة على السهر على العدالة والسخاء.»
42
ثم كتب في اليوم نفسه إلى ولده إبراهيم يخبره أن حمق الديوان هو سبب هذه النكبة، وأنه يأمره بألا يبرح معسكره وألا يقوم بأي محاولة ضد الأروام،
43
ولما سمع بالاقتراح المقصود به سحب جيش إبراهيم إلى الشمال رفع عقيرته بالاحتجاج الشديد الذي كان له مفعوله،
44
ومن ثم ظل إبراهيم باقيا في المورة إلى أن تحرج مركزه بسبب القوة الفرنسية التي نزلت إلى البر، حتى إن الباب العالي لم يسعه إلا التسليم بألا مناص من الإذعان. وفي اليوم السادس من شهر أغسطس سنة 1828م ذهب كودرنجتون إلى الإسكندرية لزيارتها وتوقيع الاتفاق مع محمد علي، وبمقتضى هذا تم الجلاء عن المورة نهائيا،
Unknown page