50

مجمل أصول أهل السنة

مجمل أصول أهل السنة

Genres

قاعدة تعارض العقل مع النقل قال المؤلف حفظه الله تعالى: [سادسًا: العقل الصريح موافق للنقل الصحيح، ولا يتعارض قطعيان منهما أبدًا، وعند توهم التعارض يقدم النقل]. الشرح: هذه قاعدة تقتضيها النصوص ويقتضيها العقل السليم، وتقتضيها الفطرة، فكل مسلم ينشأ على الفطرة المستقيمة السليمة بعيدًا عن المؤثرات الخارجية مثل الوساوس والأوهام، يدرك أن النقل الذي هو كلام الله ﷿ وكلام رسوله ﷺ المعصوم أنهما المصدر، وهذه بدهية، فعلى هذا لا يجوز أن يقدم أي مصدر آخر عليه، بل الحق الذي عليه كل صاحب فطرة أن العقل السليم لا بد أن يكون موافقًا للشرع؛ لأن العقل السليم الموافق للفطرة الصحيحة السليمة لا بد أن يخضع لله ﷿ ويستجيب، والعقل السليم لا بد أن يسلم بصدق النبي ﷺ وكمال دينه، ويخضع ويسلم بأن الرسول ﷺ وفى بالدين، فإذا سلم فلا يمكن أن يتقدم على الله ولا على رسوله ﷺ، بمعنى أن يضع لنفسه قواعد أو مسلمات، ثم يقول: أقدمها على الشرع، وهذه محاكمة فطرية عقلية لمن يقدمون العقول أو مقتضيات العقول والآراء على الدين، فنقول لهم: كيف عرفتم أن الدين حق؟ قالوا: بعقولنا، نقول: عقولكم هذه التي عرفتكم أن الدين حق هل تعتبر الدين كاملًا ووافيًا؟ يقولون: نعم؛ لأنها أدركت هذا من خلال واقع الدين، إذًا: ما دامت اقتنعت العقول بوفاء الدين وكماله إذًا كيف تزيد أو تنقص؟! وهناك أمر يلتبس على بعض الناس وهو أنهم يزعمون أن الله ﷿ جعل العقل هو مناط التكليف، العقل الذي كلف بأن ينظر في النصوص، وكلف بأن يجتهد! وكلف بأن يتعظ وينظر في علل الشرع وأسرار الدين، لكن هل كلف بأن يضع دينًا مع دين الله؟! فالله ﷿ كرم العقل وجعله مناط التكليف، لكنه أشفق عليه من أن يدخل في أمور الدين التي هي من حق الله ﷿ ومن حق رسوله ﷺ المعصوم. إذًا: العقل السليم يوافق النقل الصحيح، يوافق القرآن وما صح عن رسول الله ﷺ؛ لأن العقل خلق الله والدين أمره، فلا يمكن أن يتعارض الخلق والأمر؛ لأن كلاهما من الله ﷿، وكلاهما على الكمال والحق. ثم إن النقل الصحيح وافٍ وكامل لا يحتاج إلى مزيد أو نقص أو تدخل. وقوله: (ولا على هذا لا يتعارض قطعيان منهما أبدًا) فإذا قلنا: إن العقل قطع بأمر من الأمور العلمية، ولنفرض أنه أمر في المسائل الرياضية البدهية كأن نقول: واحد زائد واحد يساوي اثنين، فهذه بدهية علمية وعقلية رياضية، فلا يمكن أن يأتي الشرع بما يخالف هذا، والعكس كذلك، إذا جاء الدين بحقيقة مسلَّمة وهو: أن اليوم الآخر ضرورة من الضرورات وحق لازم، فهل يمكن أن يدعي مدع أن عقله عنده دليل على نفي البعث واليوم الآخر؟! هذا مستحيل، فعلى هذا لا يتعارض قطعيان، إنما التعارض يكون وهمًا عند بعض الناس، وهذا الوهم ينبغي ألا يسلط على الدين، وكون بعض الناس يبدو له أن المسألة الشرعية الفلانية غير معقولة، فماذا سيتهم؟ هل سيتهم عقله أو يتهم دين الله؟ الأولى أن يتهم عقله؛ لأن العقل يعتريه الفناء والنقص والضعف والنسيان والخلل، وأحيانًا يبني على المعلومات الوافدة ويبني على التجارب ويبني على التخيلات والأوهام، فهل يعقل أن هذه الأمور تكون سابقة للشرع أو مقدمة عليه أو تتعارض حقائقها مع الشرع؟! أما الأوهام والوساوس والخطرات فينبغي من باب أولى ألا نجعلها محكمة في الدين. وقوله: (وعند توهم التعارض)، معنى توهم التعارض أن الإنسان إذا بدا له أو توهم أن المسألة من مسائل الدين لا يستوعبها عقله، فهذا يسمى توهم التعارض، أي: يجد عقله أمام حقائق الدين الثابتة الضرورية لم يستوعبها، فهنا يكون الخلل في العقل؛ لأن الحقيقة الشرعية جاءت عن المعصوم ﷺ، فيستحيل أن يعتريها خلل أو نقص. إذًا: نتهم العقل؛ لأننا نعلم قصوره، فالعقلاء يعلمون أن عقولهم محدودة وقاصرة وأنه يعتريها جميع عوارض النقص وما في ذلك الفناء، بينما الحقائق الشرعية لا يعتريها نقص بل هي أبدية، فمن هنا إذا تأمل الناظر أو المسلم بعض الأمور وتوهم أو بدا له أو وسوس أو اشتبه عليه أمر فلا ينبغي أن يسلط الاشتباه على النص أو على الحقيقة الشرعية، بل يتهم العقل أولًا، ثم يبحث إن كان يريد أن يستفيد من أدلة اليقين كما طلب إبراهيم ﵇ من ربه أن يعطيه من أدلة اليقين، مع أنه لا يشك، لكن يريد زيادة في الدليل والمسلم له أن يبحث عن أدلة اليقين بقدر ما يستطيع، لكن لا يكون ذلك على حساب التشكيك في الدين ودعوى عصمة العقل، فالعقل ليس بمعصوم.

2 / 7