فليكن عنايته بتزكية أعماله أكثر منه بتحسين علمه ونشره. وكل طبيب تناول شيئًا وزجر الناس عنه، وقال: " لا تتناولوه فإنه سمّ "، يحمل على الهزؤ والسفه. وإنما هو الذي اعتقد فيه أنه أنفع الأشياء يريد أن يستأثر به، فينقلب النهي إغراء وتحريضًا. والمتعظ من الواعظ يجري مجرى الطين من النقش، والظل من العود، وكيف ينتقش الطين بما لا نقش فيه، وكيف يستوي الظل، والعود أعوج؟ ولذلك قيل:
لاَ تَنْه عَنْ خُلْقٍ وَتَأت مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيم
بل قال الله تعالى: (أَتَأْمُرونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَونَ أَنْفُسَكُمْ) . ولذلك قيل: وزر العالم في معاصيه أكثر من وزر غيره، لأنه يقتدى به، فيحمل أوزارًا مع أوزاره. كما قال ﵇: " من سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ". فعلى كل عاص في كل معصية وظيفة واحدة، وهو تركها وترك الاظهار، كي لا يتبعه الناس، فإذا أظهر فقد ترك واجبين، وإن أخفى فقد ترك أحد الواجبين. ولذلك قال علي ﵁: