وطبيعي أن يكون الكهنة في منزلة من القوة والسلطان دونها جميع الأمراء والنبلاء، بل لقد كان فرعون نفسه لا يقدم على إغضابهم، ولنفوذهم الذي قد يهز أركان عرشه، وهكذا كان المعبد المصري منذ ثلاثة آلاف سنة؛ أي في الوقت الذي كانت فيه مصر سيدة الأرض، ومع ما وصفت لك من جمال المعابد وفخامتها، فإن ذلك كله لا يعد شيئا لو قابلناه بجمال القبور وعظمتها.
لقد دفع المصريين اعتقادهم الراسخ بالحياة السفلى إلى تشييد قبور خالدة، تحفظ أجسادهم على مرور الأعوام والأجيال، حتى إن الملوك - الذين حكموا القطر قبل بدء التاريخ - حفروا لأنفسهم قبورا حصينة في باطن الأرض، ووضعوا فيها من الأثاث والأطعمة كل ما ظنوا أنهم يحتاجون إليه في حياتهم السفلى.
ولكن أعظم مثل للقبر المصري القديم في العظمة والفخامة هو ما بني في عهد خوفو، الذي خبرتك عنه في خرافات زازامانخ وديدي.
على مقربة من القاهرة - عاصمة مصر في الوقت الحاضر - يرى أعظم ما ترك السلف من الأبنية، ترى الأهرام - قبور ملوك مصر القدماء - وإن من يشاهد هذه القبور يدرك ما كان البناءون المصريون عليه من المقدرة قبل الميلاد بأربعة آلاف من السنين.
وأكبر هذه الأهرام هرم كيوبس وهو خوفو الذي ورد اسمه علينا في الخرافات السابقة، ولم يشيد مثله فيما مضى قبل زمن تشييده، ولا بعد ذلك حتى أيامنا هذه. ويقدر ارتفاعه بأربعمائة وخمسين قدما، وقد هدم جزء من قمته يبلغ ارتفاعه ثلاثين قدما، ويبلغ طول الجانب الواحد من جوانب قاعدته خمسا وستين قدما، أما مساحة الأرض التي يشغلها فيقدر باثني عشر فدانا؛ وهذا اتساع حقل جميل.
ولكي أقرب إلى ذهنك صورة من عظمته، أقول إنه لو استعملت أحجاره للبناء لكفت لتشييد مدينة تسع سكان أبردين، ولو قسم كل حجر من أحجاره إلى أحجار مكعبة لا يزيد ضلع الواحد منها عن قدم، ثم رصت هذه الأحجار في خط، لتجاوز هذا الخط نصف محيط الكرة الأرضية، ولكن الصعوبة في كسر الأحجار؛ لأن معظمها يزن من أربعين إلى خمسين طنا.
وجميع أحجار الهرم متلاصقة بعضها ببعض؛ بحيث لا يمكن إدخال ما يساوي سمكه سمك صفحة كتاب رقيقة بين حجرين.
وفي داخل ذلك الجبل العظيم توجد ممرات تؤدي لحجرات صغيرة، ومن هذه الحجرات «حجرة الملك»، وفيها كان يرقد الملك أعظم بناء عرف من بدء الخليقة وكانت الممرات مسدودة بكتل حجرية عظيمة، حتى لا يزعج الملك في رقدته متطفل.
ولكن رغم كل هذه الحوائل، وجد اللصوص طريقهم إلى حجرة الملك، وسرقوا التابوت، وتركوا جثة الملك العظيم تذروها الرياح، كما قال الشاعر بيرون: «لم يبق من كيوبس ولا قبضة تراب.»
أما باقي الأهرام فأصغر من الأول، وأقل ضخامة منه ، ولكن مما لا ريب فيه، أنه لو لم يوجد الهرم الأكبر لعدت من عجائب الدنيا.
Unknown page