على مقربة من الشلال الأول، كانت توجد جزيرة إليفانتين، ولما كانت المملكة المصرية صغيرة تركت أمر تأديب القبائل النوبية التي كانت تغير على الحدود الجنوبية، إلى الأمراء الذين كانوا يحكمون الجزيرة المذكورة، وحملتهم مسئولية حماية القوافل المصرية، فكانوا في كثير من الأحايين يقودون القوافل داخل الصحراء.
وكانت القافلة في ذلك الوقت تختلف تمام الاختلاف عما تتصوره الآن عند ذكر اسمها من صف الجمال الذي يخترق الصحراء. نعم؛ لقد وجد الجمل في مصر قبل بدء التاريخ، ولدينا صور تثبت ذلك ولكنه - لسبب نجهله - اختفى منذ مئات السنين؛ فلم يستعمله الفراعنة الأمراء، واستبدلوا به الحمار، الذي كان يحمل لهم العاج والذهب، والأبنوس الذي كان يستجلب من السودان.
وكان أمراء جزيرة أليفانتين يحملون لقب حرس الباب الجنوبي، أو قواد القوافل. ولم تكن قيادة القافلة أمرا سهلا، ولم يكن الرجوع بها وبكنوزها مع النجاة من غزو القبائل النوبية متيسرا دائما، وكم من أمير رحل على رأس قافة لا ليعود بالكنوز؛ بل ليترك عظامه وعظام رفقائه بين رمال الصحراء.
ويخبرنا أحدهم كيف أنه لما علم بموت أبيه في الصحراء جمع أتباعه وسار جنوبا وخلفه مائة حمار، ثم أنزل بالقبائل التي قتلت والده وأبادت قافلته أشد أنواع العقاب، وأحضر معه عند عودته لوطنه جثة والده؛ ليدفنها بما تستحقه من الشرف والتقدير.
ويمكن قراءة أخبار هذه الرحلات - وهي أول مجهود إنساني بذل في سبيل الاستكشاف - على جدران مقابر عظماء المستكشفين القدماء. وقد أخبرنا أحد الأمراء المدعو هيركوف عن أربع رحلات قام بها إلى السودان. ففي الرحلة الأولى كان مع أبيه، وقد غاب عن وطنه ما يقرب من سبعة أشهر، وفي الرحلة الثانية سمح له أن يذهب بمفرده، وقد عاد بقافلته آمنة بعد غياب ثمانية أشهر، وقد توغل في رحلته الثالثة أكثر من قبل، وجمع كميات كبيرة من العاج والذهب؛ حتى إنه اقتضى حملها ثلاثمائة حمار، ولما كانت مثل هذه القافلة مما يغري نفوس النوبيين ويثير جشعهم؛ فقد اتفق هيركوف مع أحد رؤساء القبائل على إرسال حملة معه لحمايته. وهكذا سارت القافلة في مأمن من طمع رجال القبائل وكيدهم، الذين لم يفكروا في مهاجمتها؛ بل أظهروا استعدادهم لمد يد المعونة للقائد المصري، وتزويده بالقطعان والرجال.
ولما رجع هيركوف إلى مصر محملا بالكنوز سر الملك بنجاحه، حتى إنه أرسل إليه رسولا خاصا في قارب مملوء بما لذ وطاب؛ إظهارا لإعجابه وتقديره.
وكانت الحملة الرابعة أعظم نجاحا من سابقاتها، وكان الملك الذي تمت الرحلات الثلاث الأولى في عهده قد مات، وتولى عرشه طفل يدعى «بيبي»، وكان في السادسة من سني حياته، وقد حكم تسعين عاما، وهو أطول عهد أمضاه ملك على عرشه.
ففي العام الثاني لجلوس بيبي على العرش، خرج الرحالة على رأس قافلته للمرة الخامسة، وقد أحضر معه شيئا آثره الملك أكثر على الذهب والعاج.
أنت تعلم أنه لما ذهب ستانلي في البحث عن أمين باشا اكتشف قوما في غابات أواسط إفريقيا، كلهم أقزام يعيشون في عزلة عن العالمين، ويخشون لذلك الغرباء.
والظاهر أن أجداد هؤلاء الأقزام كانوا يعيشون في مكان أقرب للسودان ومصر من المكان الذي عثر عليهم فيه ستانلي. وقد حدث أن أحضر أحد رحالة المصريين قزما من هؤلاء إلى قصر فرعون؛ ليسر الملك بشكله الغريب.
Unknown page