248

Misr Khadiwi Ismacil

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genres

على أن هذا جميعه، رغم جسامته، لم يكن بالنسبة إلى اللاحق إلا كنسبة التوابل إلى الطعام الحقيقي، فإن (إسماعيل) لم يمض على إقامته في الأستانة شهران، حتى كان قد قدم إلى السلطان مليونا من الجنيهات العثمانية، وخمسة وعشرين ألف جنيه إنجليزي إلى الصدر الأعظم، وخمسة عشر ألفا إلى وزير الحربية، وعشرين ألفا ونيفا إلى عدة من كبار السراي السلطانية.

واشتركت الأميرة والدته الكريمة معه في استمالة القلوب إليه، فإنها فوق الهدايا النفيسة التي قدمتها إلى نساء الوزراء العثمانيين، وكبار موظفي السراي السلطانية، تقربت من السلطانة ذاتها، والدة عبد العزيز، وأولمت لها الولائم الفاخرة، وقدمت لها في إحداها من التحف الثمينة ما لا يمكن وصفه، أو حصره، ومن أغرب الصدف، أنهما، بعد الاختلاط الكثير، وقص كل منهما أخبارها على الأخرى، تحققتا أنهما قريبتان تجتمعان في جد واحد، ففرحتا بذلك فرحا عظيما، وجعلتا تتزاوران كل قليل، ولا تقطع الواحدة عن الأخرى في كل يوم رسل التحية والتسليم! فكان ذلك من أسعد توفيقات (إسماعيل)؛ لأنه أكسب مصالحه في السراي السلطانية صوتا لم يرتفع للطلب، أبدا، سدى!

31

فطلب بكياسة من متبوعه التفضل بتوسيع دائرة اختصاصاته ورفع الحجر الموضوع عليه في أمر الاستدانة.

فصدر له فرمانان في شهر سبتمبر من السنة عينها، ثبت أولهما - وتاريخه 10 سبتمبر سنة 1872 / 7 رجب سنة 1289 - جميع الامتيازات السابق منحها له؛ وألغى الثاني - وكان مصحوبا «بخط شريف» ليوضح مغمضاته - منطوق فرمان سنة 1869 المحظر عليه اقتراض أي قرض جديد في المستقبل، بدون تصريح خاص من الباب العالي، وخول له حق الاستقراض أنى شاء ومتى شاء وكيفما شاء، وتاريخ هذا الفرمان الثاني 25 سبتمبر سنة 1872 و22 رجب سنة 1289.

غير أن رجال الأستانة، وإن لم يخجلوا من مد أيديهم إلى الرشوة، استحيوا من تدوين عارها وتسجيله على نفوسهم، ولذا فإنهم لم يقيدوا هذا الفرمان الأخير ولا «الخط الشريف» المرفق به في سجلات الباب العالي، كما كانت قد جرت العادة، فأراد مدحت باشا، بعد سقوط الصدر الأعظم محمود باشا وخلع السلطان عبد العزيز المنكود الحظ وقتله، أن يعلن بطلان ذينك التحريرين موضوعا، لبطلانهما شكلا، ولكن السير هنري إليوت، سفير إنجلترا، تداخل في الأمر؛ وأقنعه بضرورة اعتمادها لوجود تأشير سلطان تركيا عليهما!

32

فلما استعاد الخديو حريته المالية، ونال ما ناله من تكسير قيد السيادة العثمانية عليه، على الكيفية التي ذكرناها، عاد إلى الإسكندرية في شهر أغسطس، فرحا، مبتهجا، فتزينت له ثلاثة أيام؛ وكذلك تزينت القاهرة عند وصوله إليها، ودقت فيها البشائر؛ وزاره الأمراء والكبراء وكل ذي مقام، مهنئين، وما لبث الفرمانان السابق ذكرهما أن لحقاه إليها، فقرئا في حفلة حافلة، وأعلن مضمونهما، بين قصف المدافع، وعزف الموسيقات.

وفي عشرين مايو من العام التالي (1873) غادر (إسماعيل) عاصمته مرة أخرى؛ وبعد أن أقام بالإسكندرية أياما، ريثما جمع له وزير ماليته نحوا من مليون جنيه، وأجرى له وكيله في الأستانة عملية مالية، أنتجت ثلاثة ملايين جنيه أخرى، أقلع إلى الأستانة، وجيوبه مفعمة، وهو يرى أن أقصى أمانيه باتت حقائق راهنة!

وماذا كان يبتغي، هذه الدفعة، من رجال تركيا، وفرمانا العام الماضي قد منحاه كل ما تاقت إليه نفسه من الاستقلال، ومظاهر الملك الحقيقي؟

Unknown page