Misr Khadiwi Ismacil
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
ولا بد من أن الإمبراطورة، حينما وقفت في الأقصر، وعند خرائب طيبة القديمة، على آثار (حاتاسو) العظمى، أخت طوتمزس الثالث، ناپليون مصر الفرعونية، قارنت بين نفسها وبين تلك الإمبراطورة المصرية القديرة، مقارنة لا يدري كنهها إلا هي؛ ولا بد من أن ذكر (كليوبترا)، أيضا، أطل على مخيلتها من نافذة تذكارات أيام صباها، فأخذت أفكارها تحوم، تارة، حول مخادع قصر التويلري، بباريس، فتريها قرينها البعيد، المرافق قلبه تنقل خطواتها في رحلتها، على بعد الشقة بينهما، وتذكرها علاقته بعمه الإمبراطور الأكبر، الذي ترك، هو أيضا، أثرا بعيد الغور في ثرى مصر التاريخي الخصيب؛ وطورا حول مضيفها النبيل، المستنفد، في سبيل إرضائها، جميع الوسائل التي يمكن لأكبر المخيلات تفتقا أن تجود بها، فتصوره قيصر أو أنطونيس، قد أعيدا إلى الحياة ليقوما بخدمتها!
ولما انقضت تلك الرحلة التي لا تنسى، وعاد المتنزهان الجليلان إلى مصر، ارتاحت أوچيني في قصر الجزيرة يومين، وأما (إسماعيل) فإنه اصطحب وزيريه نوبار وشريف، وكبار رجال بلاطه وحكومته، وسافر بهم إلى الإسكندرية، واستقل منها ظهر يخته المحروسة، وسار إلى بورسعيد، ليستقبل أصحاب التيجان الملبين دعوته؛ فبلغها يوم 13 نوفمبر.
21
وإذا بسفن العالم المتمدين كله، قد أمتها من جميع جهات الأفق، وضيوفه العديدين وقد صرفت لهم من جيبه الخاص تذاكر المجيء من بلادهم والإياب إليها، في الدرجة الأولى، قد أتوا من كل فج عميق، تحف بهم أنواع الراحة والهناء كافة؛ وإذا بأساطيل الدول، بما فيها الأسطول المصري، قد اصطفت في المرفأ الفسيح، الذي أنشأته شركة القناة أمام بورسعيد؛ والفيالق المصرية قد خيمت على ضفاف الترعة، حتى مدينة الإسماعيلية، لتحفظ نظام الحفلات، وتزيد في بهجتها.
22
وما لبث (إسماعيل) سويعات إلا وأقبل أمير هولندا وأميرتها، فاستقبلهما استقبالا حسنا شائقا.
وفي اليوم التالي 14 نوفمبر، وصل المسيو دي لسبس مع أسرته، وفي يوم 15 نوفمبر، قدم فرنتز يوسف إمبراطور النمسا والمجر؛ وكان قد تعرض لخطر جسيم لكيلا يؤخر ميعاد وصوله: فإنه، وهو قادم إلى بورسعيد، استحسن في تقواه المسيحية أن يعرج في طريقه، على يافا، ويزور القدس الشريف؛ ففعل، ولكنه، لما عاد إلى يافا، يوم 14 نوفمبر، وجد البجر عجاجا، والنوء عاصفا، والريح تسوق الأمواج إلى الشاطئ، جبالا، جبالا - ويافا مرفأ رديء لا تدخله السفن مطلقا، بل تقف في عرض البحار، بعيدة، لانتشار الصخور في الماء بالقرب من الشاطئ، لا سيما صخرين قائمين عند مدخل الميناء كأنهما «شلا» و«كاردي»، لا بد للقوارب والفلائك الذاهبة بالمسافرين، إلى السفن الراسية خارجا، من المرور بينهما، والتعرض لخطر التحطم على أحدهما، أو على كليهما، حينما يكون البحر هائجا، مائجا.
فأتاه قنصل فرنسا بذلك الثغر، ورجاه أن يؤجل سفره، ريثما يهدأ النوء ، اجتنابا لمصيبة قد يهتز لوقوعها العالم بأسره، وانضم إلى قنصل فرنسا في رجائه الأميرال تجيتوف - المنصور في لسا - وكان قائد الأسيطيل النمساوي المقل للإمبراطور؛ وتمادى في إلحاحه على مولاه، بعدم مبارحة الشاطئ، مؤكدا له أن الأسيطيل، والبحر على ما هو عليه، لا يستطيع مطلقا الإقلاع والمخر.
فأبى فرنتز يوسف إلا المخاطرة، قائلا: «إني قد وعدت بأن أكون في بورسعيد يوم 15 نوفمبر؛ ولا أستطيع أن أخلف وعدا وعدت به!» ونزل في قارب، ومعه خمسة نواتي وأمر بالانطلاق، فانطلق النواتي به يجدفون، والأمواج تتقاذف قاربهم، وتهاجم من فيه مهاجمة جرفت اثنين منهم، لم يستطع الباقون إنقاذهما إلا بكل صعوبة، حتى دنوا، بعد جهد جهيد، من المدرعة التي كانت تنتظرهم.
وإذا بخطر الصعود إليها، أكبر الأخطار التي حاقت بهم، لشدة هيجان الأمواج حولها، واصطدامها فيها بقوة، وعدم تيسر الاقتراب منها للقارب الضئيل المقل جلالة الإمبراطور النمساوي؛ أو تنزيل سلمها إلى من فيه للصعود فيها.
Unknown page