215

Misr Khadiwi Ismacil

تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا

Genres

أما الحقد، فعلى الأمير مصطفى فاضل أخيه من غير أمه، وعلى الأمير حليم باشا عمه.

3

ومرجع السبب في حقده على أخيه، إلى كره والدتيهما المتبادل، الذي كثيرا ما أزعج داخلية والدهما (إبراهيم) الهمام؛ فألى وشي الوشاة بالأمير مصطفى فاضل بعد صيرورة عرش مصر إلى (إسماعيل) أخيه.

فوالدتاهما كانتا مختلفتي الجنس والميول، بالرغم من تمكنهما الواحد من قلب بعلهما السامي، ووحدة تأثيرهما عليه، فلم تكتفيا بتبادل الكره بينهما، بل أشربتاه قلبي ولديهما، واجتهدتا في جعلهما عدوين لدودين؛ لا سيما أنهما ولدتاهما في شهر واحد؛ وبينما كل منهما تتمنى أن تكون أسبق الاثنتين إلى الوضع، ليكون ابنها أقرب إلى العرش، مال الحظ إلى جانب أم (إسماعيل).

فشب الصبيان والسنون تنمى بغض كل منهما للآخر؛ والوالدتان تزكيان نمو هذا البغض، حتى كانت كارثة كفر الزيات التي جعلت (إسماعيل) ولي عهد السدة المصرية، فلم يعد الأمير مصطفى فاضل وأمه يحتملان النظر إلى المستقبل، وباتا يتمنيان أن يطول عمر (محمد سعيد باشا) أو تقصر حياة (إسماعيل)، فلم يحقق الدهر لهما هذه الأمنية، ولا الأخرى، فمات (سعيد)، وهو في ظهر حياته؛ وارتقى (إسماعيل) عرش جده، وهو في مقتبل عمره.

فلم يحتمل الأمير مصطفى فاضل وذووه الحياة تحت حكمه؛ فسافروا جميعا في منتصف سنة 1863 إلى أوروبا؛ وأقاموا في باريس، وربما أدى ذلك البعاد إلى تراخي حبل الضغينة بين الأخوين، خصوصا وأن قلبيهما كانا مجبولين، طبيعة، على العواطف الطيبة ومفتحين لها.

ولكن الوشاة الذين لم تكن مصلحتهم في أن يسود الوفاق بينهما، وكانوا كالذباب، يتلمسون الحياة من الإقبال على مص القروح وتهييجها، كانوا ساهرين لا يغفلون.

فأخذوا يختلقون من الأكاذيب على الأمير الغائب، ما لم يكن معه بد (لإسماعيل) من الاستزادة في كره أخيه، والإغراق في حقده؛ بل إنهم لم يحجموا عن تصوير ذلك الأخ النازح في صورة الرجل المؤامر المخامر، الساعي إلى إهلاك أخيه، لكي يأخذ منه عرشه، وبلغ بهم حبهم للخداع والدسائس إلى حد أن ألقوا قنبلة، سرا، ذات صباح، في حديقة قصر الجيزة، وأسرعوا إلى التقاطها، جهرا، وتقديمها إلى (إسماعيل)، حجة دامغة، وبرهانا قاطعا على صحة مؤامرات ومخامرات ومساعي أخيه الشريرة.

4

وبما أن القلب المضطرب بانفعال قوي، تقتم بصيرته بتأثير ذلك الانفعال، فلا تعود عينا صاحبه تنظران الأمور إلا كما يقدمها إليهما ذوو الأغراض، فإن (إسماعيل) لم يفطن أن تلك القنبلة كانت فارغة، لا تحمل في جوفها سوءا مطلقا؛ واعتقد اعتقادا ثابتا أن أخاه أراد قتله، ليخلفه على عرشه.

Unknown page