Misr Khadiwi Ismacil
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
على أن هؤلاء القواصة كانوا يجبنون أمام الفرنج، ولا يجسرون على مطاردة مجرميهم، لا سيما بعد تمادي القناصل في الإساءة إلى الأمن العام، بمد ظل الامتيازات فوق أولئك المجرمين، لحمايتهم من طائلة الشرائع، لذلك اضطر أولئك القناصل إلى اتخاذ قواصة لأنفسهم، يستخدمونهم في شئونهم الإدارية والقضائية مع رعايا حكوماتهم، بالرغم من علمهم بأنهم قلما يصلحون لأن يعتمد عليهم في مهم أو ملم، لشدة حبهم للبقشيش، وميلهم إلى الرشوة.
فقد كان يحكى عن قواص من قواصة أحد قناصل فرنسا في القطر، أنه قاد ذات يوم إلى سجن القنصلية فرنساويا حكم عليه بالحبس، وبعد أن أدخله فيه، مد يده إليه، وطالبه ببقشيش على الخدمة التي أداها له، بمرافقته إياه إلى ذلك السجن.
9
فنشأ عن ذلك وجود نظامي ضبط في البلاد، بجانب أنظمتها الإدارية المتعددة، كان من شأنهما الذهاب بالمرة بهيبة هيئة الشرطة، وجلب ويلات على القطر لا توصف.
فعهد (إسماعيل) إلى الإيطالي تمستكلي صوليرا، بإنشاء هيئة ضبط مختلفة، يركن إليها في عمل المحاضر؛ وكلفه بتنظيمها بحيث تغني البلاد عن القواصة كلهم، سواء أكانوا قواصة الحكومة أم قواصة القناصل - وهو يرمي، بإيجادها، علاوة على رغبته في توطيد الأمن، إلى نزع عقبة من العقبات العديدة المعترضة سبيل قضائه على الامتيازات.
فقام ذلك الإيطالي بالمهمة التي كلف بها؛ وأنشأ الشرطة المختلطة المطلوبة في العاصمة والثغور والبنادر، من خيرة رجال هيئة الضبط القديمة، ومن رجال خبيرين بالعمل، مدربين عليه، أتى بهم من أوروبا، لا سيما من إيطاليا - وهذا هو السبب فيما نجده، في ذات أيامنا هذه، من كثرة عدد الإيطاليين في رجال بوليسنا، لا سيما بالعاصمتين، وبورسعيد، والسويس.
فبرزت هذه الهيئة الجديدة أمام أعين المصريين في مظهر الساهر، حقيقة على الراحة والطمأنينة العامتين، الكالئ الأمن العام، حقيقة بعين لا تنام.
وقد كان كبار رجال الإدارة - كالمديرين في الأقاليم، والضابط في العاصمة والإسكندرية - يحملون عصا الإدارة بيد، وسيف القضاء بالأخرى، فكانوا في وقت واحد رجال الحفظ، ورجال الحكم، ورجال التنفيذ؛ فيؤدي بهم ذلك إلى الاستبداد والتجاوز، حتى إذا كانوا غير مجبولين على شيء منهما؛ فكيف بهم وهم مجبولون على الظلم، مولعون بالشر.
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفة فلعلة لا يظلم
Unknown page