Misr Khadiwi Ismacil
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
فأوشك الميكانيكي أن يحرق المراجل، ولكنه وصل يوم الأربعاء؛ وكان، بعد ذلك، يقول: «لم أدن، في حياتي، من الموت، بقدر ما دنوت منه في ذلك الظرف!»
7
ولكن هذا الضعف في (إسماعيل) لم يمنعه عن مقاومة تيار السحر والتنجيم في أمته، لعلمه بمقدار ضررهما عليها، ولعلمه بأنه إذا صح أن يقال لمربيي الأخلاق من الأفراد:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
فهذا قول لا يصح، إذا وجه للمصلحين من قادة الأمم، أن يقعد بهم عن الإصلاح!
وأما إداريا وقضائيا، فقد عمل (إسماعيل) على تغيير عقلية رعاياه، بإقدامه، من جهة، على إنشاء شرطة مختلطة منظمة في البلاد؛ ونزعه، من جهة أخرى، السلطة القضائية من أيدي رجال الإدارة، لحصرها في هيئات قضائية خاصة.
أما الشرطة، فقد كانت، حتى أوائل حكمه، محصورة فيمن كانوا يدعونهم «القواصة» وواحدهم «قواص»، وكانوا، في الغالب، رجالا من جهلاء الأتراك أو مردة الأرناءوط، لا يدرون من أمور الضبط والربط سوى مصادرة الأفراد، والاعتداء عليهم بالضرب والإهانة، ومهاجمة البيوت وارتكاب المنكر، إذا ما كلفوا بضبط واقعة؛ وسوى المطالبة بالبقشيش والرشوة، إذا ما سلم إلى عهدتهم سجناء، فإذا ما كلفوا بالمساعدة في نكبة كحريق أو خلافه، اغتنموها فرصة للنهب والسلب؛ كالقواص الذي استدعي لإطفاء حريق، فدخل المنزل المشتعلة فيه النيران وضبط وهو يبدل قميصه المرقع من أحد قمصان صاحب البيت الفاخرة، فلما سئل عن السبب الذي حمله على ذلك أجاب: «ألم يكن ذاهبا طعمة للحريق؟ أفألام إذا استخلصته لنفسي؟»
8
وكان قد بلغ من سوء سمعة أولئك القواصة أن الناس، لا سيما الفلاحين، باتوا يخوفون بهم، أو بمجرد ذكر اسمهم، أولادهم، فيقولون لهم حينما يريدونهم أن يكفوا عن عمل غير مستحسن: «الجندي جاء»؛ كأنهم يقولون لهم: «جاء البعبع!»
Unknown page