Misr Khadiwi Ismacil
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
فكان، والحالة هذه، مجموع المشتغلين في الحرف والصنائع مائة ألف وأكثر، أي بنسبة 1 إلى 12 من مجموع الذكور البالغين في القطر جميعه، وهذه نسبة تدل على مقدار الحركة والعمل في مضماري الصناعة والفن.
وكانت الأشغال الهندسية، في كل ما تستدعي الحرف المذكورة منها، معهودا بها في بادئ الأمر إلى رجال من الإنجليز بمرتبات تتراوح بين 8 و25 جنيها شهريا، ولكن الحركة التعليمية ما لبثت أن أحلت المصريين، لا سيما المتخرجين من مدرسة الفنون والصنائع ببولاق، محلهم بمرتبات من 8 إلى 10 جنيهات شهريا.
غير أن هذه الصنائع والحرف كلها، ولو أنها كانت بحركتها الحثيثة، والنشاط الذي أوجبته، تجعل مصر شبيهة بخلية نحل، الكل فيها يشتغل، لم تكن سوى وجه من وجهي الحياة العملية التي دبت في جسم القطر إذ نفخ (إسماعيل) فيه من روحه.
وأما الوجه الثاني فالأعمال والمنشآت الخصوصية والعمومية، التي أشغل فيها ذلك الأمير المقدام الهمم والمجهودات.
فإنه ما ارتقى العرش، إلا ووضع نصب عينيه، لا سيما فيما يختص بعمارة الإسكندرية ومصر، الاقتداء بأغسطس قيصر الروماني، القائل: «وجدت روما مبنية باللبن، فتركتها مبنية بالرخام»؛ أو بالإمبراطور نابليون الثالث، الذي وطن عزمه على تغيير شكل باريس، من حسن إلى أحسن؛ وما فتئ ينفذه حتى صير العاصمة الفرنساوية عروس مدائن العالم طرا.
أما الإسكندرية، فإنها بعد عزها الأقعس في أيام البطالسة والرومان والبيزنطيين أنفسهم، إذ كانت ثانية عواصم المسكونة، وكان عدد سكانها يربو على ستمائة ألف آلت إلى الخراب والدمار، شيئا فشيئا على توالي القرون، لتخلي السياسة عنها.
أولا:
مذ اتخذ عمرو مدينة الفسطاط عاصمة له (عملا برغبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في ألا يكون بينه وبين المسلمين بمصر ماء)، فالمعسكر، فالقطائع، فالقاهرة، وابتعاد التجارة عن شواطئها.
ثانيا:
منذ أن أنشأ الطولونيون مدينة رشيد، وبعد أن ابتنى الظاهر بيبرس دمياط الحديثة على أنقاض دمياط القديمة؛ وما زالت مبانيها تتهدم، وأكوام المهدوم تكتنف المعمور، وتزاحمه على قواعده، وتحصره فيما عرف، لغاية عهد (محمد علي) الكبير، بالجزيرة الخضراء؛ وما فتئ عدد سكانها يتضاءل، حتى باتت ضيعة حقيرة، لا يؤبه بها؛ وبات سكانها لا يزيدون، إلا قليلا، على ستة آلاف، حينما احتلها الفرنساويون في سنة 1798.
Unknown page