Misr Khadiwi Ismacil
تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا
Genres
ولسنا نقول شيئا عن صناعة الخزف؛ لأنه من المعلوم أن صنع القلل والزلع والأباريق والأزيار، وما على شاكلة ذلك جميعه، والتفنن في صنعه، قديمان بمصر قدما تكاد الذاكرة لا تدركه؛ ومن المعلوم أيضا أن هذه الصنعة بلغت في مصر القديمة شأوا لم تبلغه في مصر الحديثة، ولكنا نقول إن أفضل أدوات حرفته إنما كانت تخرجها مصانع قنا وبلاص وأسيوط ومنفلوط وملوي؛ وتنزل إلى المراكب في النيل منها، سنويا، خمسمائة ألف قطعة، كما كانت تفعل في أيام طوطمس العظيم، وأيام أن أكره بنو إسرائيل على مغادرة مصر.
وأخرجت هذه الأرض المصرية أيضا من ثمانية إلى عشرة معامل زجاج - واسم أحدها لا يزال مطلقا على إحدى المحطات بين الإسكندرية ودمنهور - كانت تصنع للأسواق نيفا وعشرة آلاف قطعة متنوعة سنويا؛ عدا عشرين ألف زجاجة مصباح. نذكر هذا: والألم ملء الفؤاد، في هذه الأيام التي لا معمل زجاج لنا فيها حتى أصبحت زجاجة المصباح البسيطة ذات العشرين الفضة دارجة، سابقا، تباع بنصف ريال، منذ أن حالت الحرب العالمية الكبرى دون أن ترسل مصانع الغرب شيئا منها إلينا.
11
وماذا نقول عن معامل الورق التي أقامتها الدائرة السنية - أي: دائرة (إسماعيل ) - ببولاق سنة 1870، وكان يشتغل فيها 220 عاملا وطنيا تحت رقابة مهندسين ورؤساء أعمال من الإنجليز؛ فيخرجون 18 طنا من الورق المستعمل للف السكر، وسبعين ألف فريدة ورق طباعة وكتابة، من أنواع مختلفة، يصنع أوطؤها قيمة من الحلفاء وقشر القصب، وكانت تكفي كل الحاجة إليها بمصر، ويصدر الزائد على الحاجة منها بالات بالات إلى الحجاز، بل إلى الهند؟
نحن لا نتوسع في ذكرها، خشية إيلام النفوس؛ لأن عدمها الآن بمصر، مع انعدام الوارد من الخارج أصبح يهدد المدارس، بالإقفال، لا الصحافة والتأليف فقط بالتعطيل، ومصالح الحكومة بالارتباك.
أما المطبعة الأميرية التي أنشأها (محمد علي) فإن (إسماعيل) وسعها توسيعا أصبحت معه تستطيع أن تطبع كل ما تحتاج إليه مصالح الحكومة، وجميع كتب التدريس التي تقررها وزارة المعارف العمومية باللغتين العربية والتركية، وفي كل لغة من اللغات الأوروبية الكبرى، كالفرنساوية والإنجليزية والطليانية، طبعا نظيفا متقنا، خليقا بأي مطبعة بباريس ولندن، مهما كانت كبيرة، ومعتنى بها، أن تفتخر به؛ مع أن عمالها - وكانوا أكثر من مائة - كانوا جميعا من المصريين.
على أن الإقدام الشخصي شرع، مع ذلك في مزاحمتها مزاحمة كبيرة منذ ذلك الحين، فالدائرة السنية أنشأت محل ليتوغرافيا لها ببولاق؛ وأنشأ بعض الفرنج والأهلين خمس مطابع وخمسة محال ليتوغرافيا بمصر، وأربعة بالإسكندرية؛ ولكن العمال فيها كانوا إفرنج كلهم.
وازداد عدد المشتغلين في باقي الحرف، فالطحانون والفرانون أصبحوا طائفة كبيرة؛ وبلغ عدد الخبازين في المدن والبنادر وحدها - خلاف الفلاحين والبدو - 2300 خباز منهم 1000 بمصر و490 بالإسكندرية، وبلغ عدد صانعي الفطير والحلوى ألفا ومائتين، منهم 800 بمصر، و200 بالإسكندرية، والباقي في البنادر، وبلغ عدد الطواحين البخارية 27 بمصر و21 بالإسكندرية؛ وما يدار منها بالخيل 575 بمصر و127 بالإسكندرية، علاوة على 37 طاحونة هوائية بهذا الثغر، وجملة طواحين بطنطا والزقازيق والمنصورة، وكان للحكومة طاحنة بخارية عظمى، تقوم بطحن الغلال اللازمة للجيش والبحرية؛ ومخبزان عظيمان بمصر والإسكندرية، لتوزيع الخبز على الجنود والنوتية، وعلى جهات البر والمدارس والحجاج العابرين.
وزاد عدد البنائين وصانعي الأحذية والسمكريين، وازدادوا اتقانا لصنائعهم، حيال المزاحمة الأجنبية؛ كذلك كان شأن التطريز والصياغة، ولو أنهما استمرا يشتغلان على النماذج القديمة المصرية.
غير أن صنعة عمل المشربيات والتفنن فيها أخذا يزولان شيئا فشيئا، وتحل محلهما الصنعة على الطراز الغربي؛ حتى أصبح ثمن «العينة» فقط من الصنعة القديمة أغلى مما كان ثمن الشباك كله في عهد علي بك الكبير ومحمد بك أبي الذهب، وكذلك بات شأن التزويق والتنميق في داخل المنازل والقصور: فإن الذوق والصنعة القديمين زالا منهما، وحل مكانهما الذوق والصنعة الألمانيان.
Unknown page