Misr Fi Thulthay Qarn
مصر في ثلثي قرن
Genres
الفصل الرابع عشر
درس في الحكم الذاتي
«إني أقمت في مصر مدة قبل أن تحققت قلة علمي بموضوع اشتغالي، ووجدت إلى آخر أيامي في تلك البلاد أني كنت أتعلم في كل يوم أمرا جديدا»
اللورد كرومر
لو أن رجلا أنشأ مدرسة ليعلم الأبناء، أكان يدل على مهارته أن تبقى مدرسته نحو أربعين حولا بناء تغشاه سحابة الجهل على رغم أنه يحشوها كل يوم بأساتذة جديدين؟
كلا، بل يكون أمر هذا الرجل بين حالين، فهو إما يريد أن يكون تاجرا حيث لا يريد أن يكون معلما، وإما يريد الخير ولكنه لا يعرف سبيله؛ إذن فهو لا ينفع، فإن تشبث بأن تبقى يده آخذة بزمام الناشئين بعد هذه التجربة الطويلة، فلا يكون ذلك حقا له.
هذا مثلنا بين الماضي والمستقبل، وقد كان الشفيع في بقاء الحالة على ما هي عليه أننا نتلقى العلم والنظام والمدنية في مدرسة السياسة العالية، فإذا جاء اليوم الذي نصبح فيه أهلا للاستقلال تركنا أستاذنا ومضى مشكورا، ولكننا نسمع الساسة والكتاب الإنكليز يقولون ما قالوه من قبل، يقولون: إن الذي مضى كان تجربة اقترن بها الفشل. واللورد كرومر يؤيد ذلك بقوله: «كانت حكومة مصر هذه - يشير إلى حكومتها منذ سنة 1882 - تجربة واختبارا في باب الإدارة الشرقية فانتهت التجربة ببعض الفوز مع ما في هذه الحالة من المساوئ والعيوب».
غير أنهم يقولون الآن: فلنأخذ في تجربة أخرى عسى أن يقارنها الفلاح، ولكن أسفار التاريخ تعترف بعجزها عن أن تطوي بينها خبر أمة غالبة وضعت سلاح الاستقلال في يد أمة مغلوبة.
إنا لا نبتدر هذه الدعوى بالرفض المطلق؛ فإن وراء البحث حجة الحق الناهضة، فلننظر ماذا يراد أن يكون، ولننشر صحيفة هذا الدرس الجديد، لنشم ما يفوح منها.
يقولون: سنتوسع في الخصائص النيابية، وسنمنحكم نعمة صغرى من نعم الحكومة النيابية لتصعدوا منها إلى النعمة الكبرى، هذا قول أهمل فيه الطرف الذي يصيح بحقه، وظهر به تجاهل الحق المطلوب، فالمصريون يطلبون الاستقلال التام لأنه حقهم الطبيعي المؤيد بالمعاهدات، الثابت بإجماع الناس، فكيف يقال لهم: ماذا تطلبون من التوسع في الخصائص النيابية والأخذ بيد التعليم ومداواة الإدارة من أمراضها؟ أليس هذا نهاية ما يكون من تجاهل العارف؟
Unknown page