Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
وأما الوكلاء الأجانب، فقد ظلوا يشكون كذلك من عسف الحكومة المملوكية، ومن المظالم والإتاوات التي فرضوها على رعايا دولهم والداخلين تحت حمايتها، فشكا «ماثيو لسبس» في 22 أغسطس 1803 من الإتاوات الشديدة التي فرضها البكوات على المسيحيين بما في ذلك المحميين الفرنسيين، وصار يطالب البكوات بدفع تعويض للمسيو «مانجان»
Mengin
الذي ظل يزاول التجارة في مصر بعد خروج الفرنسيين منها، كما استمر يبذل قصارى جهده لحماية مصالح البيوت التجارية الفرنسية في القاهرة لأصحابها «كاستينل ولونيل»
Castinel er Lionel ، «وكاف»
Caffe ، و«روييه»
Royer
إلى جانب «مانجان»، ثم بيت المحميين الفرنسيين جورج عبده وإلياس عبده، ثم استمر يشكو في 24 أكتوبر 1803 من مظالم البكوات وسوء الحالة العظيم في القاهرة، وقال إن مبعث ذلك حاجة البكوات إلى المال لدفع مرتبات الأرنئود.
وقد فرض البكوات قرضا على الأجانب من مائتي كيس بضمانة الجمرك والميري، واضطر القنصل النمساوي «روشتي» والقنصلان الإنجليزي «مسيت» والفرنسي «لسبس» إلى الموافقة على النصح لمواطنيهم ومحمييهم بدفعها إزاء تهديد الأرنئود خصوصا بنهب المدينة، وبسبب عجز البكوات الظاهر عن ردعهم لضعفهم، ولانتشار الخلافات والانقسامات بينهم، وفي يناير 1804 ظلت شكاوى لسبس تترى على حكومته من فظائع الأرنئود الذين ينهبون ويقتلون السكان في وسط الأسواق ذاتها، وفي 7 فبراير كتب إلى حكومته أن هؤلاء الأرنئود الذين لم تدفع لهم مرتباتهم صاروا يهددون بالقيام بحركة عنيفة في القاهرة، ثم عاد في 23 فبراير يردد ما قاله ويذكر كيف أن الأرنئود قد تطرفوا في فظائعهم التي يرتكبونها ضد الأهلين وسكان القاهرة عموما وبخاصة بعد عودتهم إليها عقب مقتل علي باشا الجزائرلي، فضلا عن مطالبتهم المستمرة بمرتباتهم المتأخرة، بمائتي كيس بدعوى إرسال قافلة الحج بالمحمل إلى الحجاز.
وأما «مسيت» الوكيل الإنجليزي فإنه لم ينقطع هو الآخر عن إظهار أسباب ضعف حكومة البكوات في رسائله التي بعث بها إلى حكومته من وقت دخول هؤلاء إلى القاهرة، والتي أشرنا إليها في مواضع كثيرة سابقة، ومنذ 28 أكتوبر 1803 كتب إلى «هوبارت» يقيم الدليل الساطع على فساد حكومة البكوات في نظره بذكر مثال واحد هو ما بلغه «روشتي» قنصل النمسا والروسيا العام في مصر من شأو في عهدهم، فقال: «إن روشتي كان في عهد حكومة خسرو باشا من جملة الأغنياء المعروفين بعدائهم للبكوات، ولكنه صار الآن - بفضل أمواله - صاحب نفوذ عظيم معهم، فقد سمع «مسيت» البكوات أنفسهم عندما كانوا بالجيزة مع الجنرال ستيوارت، وكذلك في أثناء حملتهم في الدلتا، يعلنون أن «روشتي» هذا سوف يكافأ على خيانته وعدم عرفانه بجميلهم عليه إذا استرجعوا السلطة في البلاد، ومع ذلك فقد استطاع «روشتي» بسبب توزيعه المال والهدايا عليهم وعلى كبار ضباطهم منذ عودتهم إلى القاهرة أن يستل سخيمتهم وأن يزيل نفورهم منه، بل وأنشأ معهم صلات لخيره ومصالحه على أساس ثابت مكين، وعلى غرار ما كان الحال بينه وبينهم عليه قبل الغزو الفرنسي.»
وفي فبراير 1804 بعث مسيت برسالة مطولة إلى حكومته يشكو من محاولة البرديسي إلزام بعض الرعايا البريطانيين الذين يزاولون التجارة في القاهرة بدفع رسوم على بن مستورد من مخا لحسابهم، زيادة على الرسم المقرر عليه وهو 3٪، وذلك كما قال «مسيت» بتحريض من حسين بك الزنطاوي، وخشي التجار على أنفسهم وأموالهم فدفعوا ما طلبه البرديسي منهم، ثم لم تمض أيام قليلة حتى طلب البكوات من وكلاء الدول الأجنبية قرضا بمائة وخمسين كيسا، يجمع من كل الأوروبيين ومحميي دولهم في القاهرة، وهدد البرديسي بإنقاذ حسين الزنطاوي إلى حي الإفرنج ليجمع منهم 200 كيس عنوة سواء وافق القناصل أم لم يوافقوا، واضطر مسيت إلى التهديد بالدفاع عن بيته بقوة السلاح إذا حصل اعتداء عليه، واعتذر البكوات، ولكنه وجد أن الحياة لم تعد آمنة بالقاهرة، فغادرها في 23 فبراير إلى الإسكندرية، وكتب «ماثيو لسبس» في اليوم نفسه «إن مسيت بعد أن احتج بشدة لدى البرديسي وإبراهيم بك على ما فعلاه ضد الألفي الذي هو تحت الحماية الإنجليزية لم يلبث أن أعلن إليهما أن «هالويل» قائد الفرقاطة الإنجليزية التي حملت الألفي إلى أبي قير قد دعاه لمقابلته ...»
Unknown page