Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
ويدرك السير ألكسندر بول أن الحكومة العثمانية سوف تحتج على «الإنجليز» إذا اكتشفت أنهم يحمون المماليك، ولكن لما كان من المنتظر قريبا أن يرسخ في ذهن رجال الدولة العثمانية استحالة تقييد تجارة «الإنجليز» الضخمة بالصورة التي عليها هذه التجارة الآن، فمن المحتمل أنها سوف تميل إلى قبول وساطة إنجلترا، وفي هذه الحالة سوف تنقذ الدولة العثمانية من أي اعتداء آخر يقع عليها من جانب المماليك الذين يصبحون على استعداد لأن يصغوا لأية اقتراحات تقترح عليهم طالما أمن الإنجليز لهم فتوحاتهم الحالية.
وفي استطاعة السفير الإنجليزي لدى الباب العالي أن يبين له أنه من صالح تركيا قطعا أن تقبل إنشاء هذه الحامية؛ لأن مصر من غيرها سوف تدخل سريعا تحت سلطان فرنسا التي سوف تقدم من الأدلة وقتئذ ما يثبت أن جيرتها «للدولة العثمانية» أشد خطرا عليها من جيرة المماليك لها؛ لأن فرنسا بمجرد أن تمتلك مصر سوف تتطلع إلى الشام وتمد سلطانها صوب البحر الأسود.
ولذلك فمن الواجب إقناع تركيا بأن الغرض من هذا الترتيب المعروض ليس خدمة المماليك على حساب الإمبراطورية العثمانية وضد مصالحها، وإنما إبعاد الفرنسيين عن التدخل في شئون مصر والدولة بصورة نافذة.
وقد يقال إنه كان ينبغي اقتراح هذا الإجراء على تركيا وقت امتلاكها للإسكندرية لو أنه كان لا يبدو أن مفاتحتها في هذا الموضوع قد يجرح كرامة وشعور الحكومة العثمانية؛ لانطوائه على معنى عدم الاعتقاد بقدرة هذه الحكومة على الدفاع عن أملاكها، فلو أن حالة الدفاع عن الإسكندرية في سنة 1798 كانت طيبة؛ لما هاجمها الفرنسيون، ولوفرت بريطانيا العظمى جملة ملايين من الجنيهات، ولأمكن استخدام ذلك الجيش من الجنود الشجعان الذين أنقذوا مصر، في وقف تقدم الفرنسيين في إيطاليا وفي بلاد غيرها.
وأما إذا سألت الدول الأخرى «الحكومة الإنجليزية» تفسيرا لهذا المسلك، فالجواب يكون عندئذ أن هذا الترتيب بوضعه مصر بمنأى عن الغزو والفتح إنما يسدي إلى أوروبا خدمة جليلة بتوفير أسباب الهدوء والسلام لها.
وواضح أن الهدف الرئيسي من مشروع السير ألكسندر بول منع تعرض مصر للغزو الفرنسي وتهيئة وسائل الدفاع عنها، وواضح أن المماليك كانوا هم القوة التي اعتمد عليها هذا المشروع في الدفاع عن مصر، كما أنه من الواضح كذلك أن الإشراف على شئون الدفاع سوف يكون من نصيب بريطانيا وهي أيضا التي سوف تتحمل نفقاته، وزيادة على ذلك فقد استند المشروع بأكمله على اتخاذ الإسكندرية قاعدة للدفاع ضد الغزو المنتظر.
آثار مشروع «بول» في القاهرة
وكان لهذا المشروع آثار معينة في كل من القاهرة والقسطنطينية، وذلك أن السير ألكسندر بول، قرر أن يوفد إلى مصر الكابتن «فيشنتزو تابرنا» كي يجس نبض المماليك لمعرفة ما إذا كانوا يميلون لعقد اتفاق على الأسس التي تضمنها مشروعه في حالة موافقة الحكومة الإنجليزية على هذا المشروع، وقد زود السير ألكسندر الكابتن تابرنا بتعليمات تحدث عنها هذا الأخير في رسالة له إلى الجنرال ستيوارت في 6 نوفمبر 1803، فقال: «إنها كانت لجعل البكوات يسألون الحكومة الإنجليزية أن ترسل شخصا ذا كفاءة لمساعدتهم، ليس فقط في تحصين الساحل المصري، بل ولتدريب وتنظيم قوة من أربعة آلاف رجل يجندون من البلاد وفق شروط معينة تعرض على الحكومة البريطانية التي تتحمل نفقات هذه القوة»، وكان تابرنا مكلفا بإبلاغ هذه الفكرة إلى «مسيت» عند وصوله إلى مصر، «أي تأمين الإسكندرية بوضع حاميتها الوطنية تحت إشراف وإدارة ضباط بريطانيين يدخلون في خدمة الحكومة المصرية وتتحمل بريطانيا العظمى كل أو بعض نفقاتهم».
ومما يجدر ذكره أن «تابرنا» لم يكن مكلفا بعرض هذا المشروع على البكوات على أنه مسألة قد انتهت الحكومة الإنجليزية من تقريرها، وغادر تابرنا مالطة في 6 أكتوبر 1803.
وأثار وصول تابرنا إلى مصر حماس البكوات، واتصل من فوره بهم، ولكنه بدلا من أن يقتصر على جس نبضهم رأى كي يضمن استمالة البكوات إلى المشروع وربطهم بعجلة المصالح البريطانية، أن يتجاوز تعليماته في اتصالاته بهم، وأن يبلغ إبراهيم بك وعثمان بك البرديسي أنه كان مفوضا من قبل حكومته في المباحثة والاتفاق معهم على هذا الترتيب، فبادر البكوات بإرسال «سليم أفندي» أحد الكشاف التابعين لعثمان بك البرديسي، إلى مالطة للمفاوضة مع السير ألكسندر بول، ولعقد الاتفاق أو المعاهدة المنتظرة ولطلب الإمدادات من المال والأسلحة التي تمكنهم من تأليف القوة اللازمة لحامية الإسكندرية؛ أي الاستيلاء عليها، مقصد البكوات منذ دخولهم القاهرة واستيلائهم على رشيد.
Unknown page