Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
أولا:
أن القنصل الأول أراد أن يكون مقره بالقاهرة، فلا يمكث بالإسكندرية إلا أقصر وقت ممكن.
ثانيا:
أنه مع اهتمام القنصل الأول بمسألة المماليك وسعيه بواسطة سفيره «برون» في القسطنطينية من أجل حسم الخلاف بينهم وبين الباب العالي؛ فقد طلب من «لسبس» عدم التدخل في الخلافات السائدة بين الفريقين، وكان السبب في ذلك أن القنصل الأول اعتبر مهمة «لسبس» ثم زميله «دروفتي» كذلك تجارية بحتة، وجرت تقاليد الحكومة الفرنسية على الفصل بين المهام التجارية والسياسية.
ثالثا:
أن هذه التعليمات دلت على أن القنصل الأول كان يجهل ما يمكن أن تتمخض عنه الحوادث في مصر، شأنه في ذلك شأن سائر معاصريه لهذه الحوادث، فلم يلبث أن وجد «لسبس» ثم زميله وخلفه «دروفتي» أنفسهما في حاجة ملحة إلى تعليمات جديدة من حكومتهما لتحديد مسلكهما وموقفهما من الحوادث التي تلاحقت في إثر بعضها بعضا بسرعة عظيمة.
رابعا:
أن القنصل الأول حرص على إبقاء علاقاته الودية مع الباب العالي، لا سيما وقد وقع تاليران مع السيد محمد سعيد غالب أفندي السفير العثماني الجديد في باريس في 25 يونيو سنة 1802 (أي بعد معاهدة إميان بثلاثة شهور)، معاهدة تحالف دفاعية هجومية بين الدولتين صدق عليها الباب العالي في 25 أغسطس من العام نفسه، فحرص القنصل الأول على أن يطلب من «لسبس» كسب ثقة مندوبي الباب العالي في مصر، وهم الذين اعتقد «بونابرت» فضلا عن ذلك أنهم أصحاب السلطة الفعلية في البلاد، فلم يكن ظاهرا عند صدور هذه التعليمات أن الباشا العثماني «خسرو محمد» - ممثل السلطان وصاحب السلطة الشرعية في مصر - محروم من كل نفوذ وسلطة فعلية بها، فكان بسبب ذلك كله أن وجد «لسبس» نفسه عند وصوله في موقف لا يحسد عليه وفي حيرة من أمره.
وعند وصول «لسبس» إلى الإسكندرية في أواخر مايو سنة 1803 كان الجنرال «ستيوارت» قد غادر مصر منذ مارس سنة 1803، ونحي خسرو باشا عن الولاية، وصارت السلطة الفعلية في القاهرة في يد الألبانيين (الأرنئود) والبكوات المماليك، وأن البدو يقطعون باعتداءاتهم المواصلات النهرية بين الإسكندرية والقاهرة، وأنه لا يستطيع تنفيذ ذلك القسم من تعليماته الذي يطلب إليه الذهاب فورا إلى القاهرة مقر ممثلي الباب العالي صاحب السيادة الشرعية على البلاد، والذين اعتقد القنصل الأول خطأ أنهم أصحاب السلطة الفعلية بها، فكتب «لسبس» من الإسكندرية إلى الجنرال «برون» في 9 يونيو سنة 1803 يشرح له «المركز الدقيق» الذي وجد فيه نفسه بسبب العقبات التي تحول دون ذهابه إلى القاهرة، وأثار «لسبس» في هذه الرسالة موضوعا يتصل بجوهر تعليماته هو في إغضاب مندوبي الباب العالي إذا ذهب إلى القاهرة، وأصر أصحاب السلطة الفعلية بها، الذين ذكر «لسبس» أنهم الأرنئود والبكوات المماليك، على أن يقوم بوظائفه في القاهرة بصفته الرسمية؛ أي نائب قومسيير للشئون التجارية للحكومة الفرنسية؛ ولذلك طلب «لسبس» تعليمات جديدة من حكومته، ثم لم يلبث أن كتب في اليوم التالي: «إن طاهر باشا الذي يتزعم حوالي الثمانية أو العشرة آلاف جندي ألباني بالقرب من القاهرة؛ قد أعلن فجأة عداءه لخسرو باشا وطرده من القاهرة.» وقال «لسبس» إنه يخشى أن يكون للإنجليز يد فيما حدث.
وكانت هذه الحوادث التي ذكرها «لسبس» قد وقعت في أثناء شهر مايو، وتأخر وصول أخبارها إلى الإسكندرية كما هو ظاهر بسبب قطع المواصلات في النهر بينها وبين القاهرة - كما سبقت الإشارة إليه - ولذلك ففي الوقت الذي بعث فيه «لسبس» رسالته الأخيرة بتاريخ 10 يونيو، لم يكن خسرو باشا قد طرد من القاهرة، وأعلنت قائمقامية طاهر باشا في القاهرة فحسب، بل وكان الإنكشارية قد ثاروا على طاهر باشا وقتلوه في 25 مايو سنة 1803، وحاول الإنكشارية تنصيب أحمد باشا (والي جدة والمدينة) وأخفقوا في مسعاهم، وطرد أحمد باشا بدوره من القاهرة، واستأثر بالسيطرة والنفوذ بها محمد علي والبكوات المماليك «إبراهيم والبرديسي»، وتهيأ محمد علي والبرديسي لمطاردة خسرو باشا والزحف على دمياط لقتاله.
Unknown page