Misr Fi Matlac Qarn Tasic Cashr
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
Genres
Elgin
عند كلامه مع الريس أفندي عن مصر قال: «إن أهلها يأسفون أسفا شديدا على ذهابهم».»
ولذلك فقد قوي أمل القنصل الأول بعد إبرام الصلح في إمكان إنشاء العلاقات التجارية والسياسية الوثيقة مع مصر، واقتضت سياسته إلى جانب ذلك حمل الإنجليز على تعجيل جلائهم عن مصر وعن سائر المواقع التي يحتلونها في البحر الأبيض المتوسط، واتجهت سياسته منذ مارس سنة 1802 نحو تنفيذ معاهدة الصلح دون إبطاء.
ولما كان المماليك بزعامة مراد بك قد أبرموا الاتفاقات مع القواد الفرنسيين وتعاهدوا معهم أيام الحملة الفرنسية، وذلك قبل انضمام البكوات إلى جانب العثمانيين والإنجليز في القتال الذي دار من أجل طرد جيش الشرق من مصر نهائيا؛ فقد اعتقد بونابرت أن في وسعه أن يستأنف بسهولة علاقاته مع المماليك، وأن يعتمد عليهم في تأييد النفوذ الفرنسي وخدمة المصالح التجارية الفرنسية، فلم يعد من أهدافه الآن طرد البكوات من مصر، بل صار يتوسط لدى الباب العالي من أجل الوصول إلى تفاهم بينه وبينهم يكفل للبكوات ليس البقاء في مصر فحسب، بل واسترجاع نفوذهم وسلطتهم السابقة في الحكومة.
وقد زاد من اهتمامه بهذه المسألة أنه كان يتوقع قيام الحرب بينه وبين إنجلترا سريعا، فصار يرقب باهتمام زائد نشاط الإنجليز خوفا من أن ينزل هؤلاء حملة إنجليزية في مصر، كما فعل الفرنسيون أنفسهم من قبل وبخاصة عندما كان صلح «أميان» هدنة مسلمة في الحقيقة، ومن المتوقع استئناف الحرب بين إنجلترا وفرنسا في أية لحظة، ثم عظم اهتمام القنصل الأول بمصر عندما قامت الحرب فعلا في مايو سنة 1803.
غير أن نشاط بونابرت فيما يتعلق بمصر ظل - بعد صلح إميان - سلبيا في جوهره ولا يعدو إظهار عنايته بدقائق الموقف في مصر، ثم بذل الوعود الطيبة للبكوات وإبداء استعداده لنجدتهم وتمكينهم من استرجاع سلطتهم المفقودة في البلاد، ولكن دون أن «يتورط» معهم في أي عمل إيجابي سوف يكون موجها في هذه الحالة ولا شك ضد الباب العالي، الذي حرص بونابرت كل الحرص بسبب اشتعال الحرب على منعه من الانضمام إلى صفوف أعدائه، فاكتفى بالتوسط من أجل تسوية الخلافات بين الباب العالي وبين المماليك، ثم استمر يبذل الوعود الطيبة فحسب لطائفة البكوات الذين انحازوا برياسة عثمان البرديسي إلى جانب فرنسا بعد حضور ممثليها ومندوبيها إلى مصر، وانحصر اهتمامه في تبصير الباب العالي بجسامة الأخطار التي يتعرض لها سلطانه في مصر بسبب نشاط الإنجليز الذين أفلحوا في كسب جماعة المماليك الأخرى التي يتزعمها محمد الألفي.
ولم يعرض بونابرت على الباب العالي حلولا إيجابية أو عملية لإزالة هذه الأخطار، وكان طبيعيا أن تظل السياسة الفرنسية في مصر سياسة سلبية؛ لأنه تعذر في الحقيقة على بونابرت أن يرتبط مع البكوات أو يشترك معهم في أي عمل قد يدل - ولو من بعيد - على أن فرنسا تعتزم معارضة مصالح الباب العالي في مصر، في الوقت الذي حرص فيه بونابرت - وقبل أي اعتبار آخر - على الحيلولة دون انضمام تركيا إلى أعدائه.
وتفسر هذه السلبية نشاط الدبلوماسية الفرنسية في القاهرة والقسطنطينية في فترة الفوضى السياسية في مصر.
فقد بادر القنصل الأول «وقت عقد الصلح في أميان» بترشيح الجنرال برون
Brune
Unknown page