مصر الكرامة
مصر الكرامة هي مصر عام 73؛ يوم هزم التتار الصهاينة على يد أبناء وشباب مصر العظيمة التي نالت منها هزيمة 67، وظن العالم كله أن مصر قد انتهت، وشبابها قد مضى وصار في خبر كان، وأن مصر لن تقوم لها بعد ذلك قائمة، ولن تحيا بعد تلك النكسة إطلاقا .. إذ ضاع سلاحها، وتحطم، وسقطت مدن قناتها وانهارت وهجرها أهلها وأصحابها، وتحولت إلى خرائب تنعق فيها البوم والغربان .. ويعيش على حطامها النمل الأبيض والجرذان.
وفي يوم الكرامة .. الكرامة المصرية، نهضت مصر كالمارد الجبار .. قامت تلقن العدو الحقير، أولا، أكبر درس في الرجولة والصمود والشجاعة والبراعة والقوة والشهامة، وفي حرص مصر بالذات، من دون سائر البلاد، على محافظتها على الكرامة الوطنية والعزة البشرية والإباء الفرعوني المتأصل.
في يوم الكرامة هذا، ضربت مصر بيد من حديد .. ضربت ضربتها المصرية، التي أفاقت العدو السادر في غيه، والتائه في غروره .. وأنزلت به أنكى هزيمة يمكن للطائرات الأمريكية والسلاح الأمريكي أن يصابا بها؛ لتسيل دماء الصهاينة، وتروي أرض صحرائنا، ولتنهمر دموع العذارى والأرامل الإسرائيليات لتجري أنهارا تحول تراب الأرض إلى طين يلطخن به خدودهن ووجوههن خزيا وعارا لما أصابهن من هزيمة لم تكن في العلم ولا في الحسبان!
مصر الكرامة مثل صارخ واضح يتحدث به الركبان، ويجري ذكره على كل لسان، وصار موضوع الساعة لدى جميع الناس طرا، شرقا وغربا .. لقد أدركت الدنيا بأسرها أن مصر هي مصر قديم الزمان ولا تزال هي مصر إلى الآن .. مصر هي مصر .. هادية للدنيا، ومعلمة القرون والأجيال، بأنها أرض الكرامة التي لا تدنس، وأرض العزة التي لا تنال .. وأرض الفتوة التي لا تضام .. أرض الرجولة التي لا تخدش ولا تجرح.
مصر الكرامة منارة شاهقة سامقة عالية، تهدي العالم إلى معان سامية راقية يمكن أن يتحلى بها الرجال والنساء على حد سواء، فيشار إليهم بالبنان كأمثلة فارقة في شتى المناحي وأرقى النواحي، وأسمى المعاني وأسنى القيم وأقوم الأخلاق وأعلى الهمم.
مصر الكرامة، ضحت بكل شيء، بالشباب وبالسلاح وبالمال وبكل نفيس عزيز، وشبابها يقول:
إنا لنرخص يوم الروع أنفسنا
ولو نسام بها في الأمن أغلينا
فللكرامة لدى مصر معان فوق كل المعاني، وهي بالنسبة للمصري مسألة حياة أو موت .. فما من مصري لا يموت من أجل الحفاظ على كرامة مصر .. ما من مصري يرضى أن يعيش لحظة واحدة لو خدشت مصر أو جرحت أو أصيبت في كرامتها وعزتها وكبريائها وشهامتها ورجولتها .. يهون لدى المصري كل شيء .. فحتى الموت يشتهى ويرتضى ويصبح سهلا مقبولا في سبيل المحافظة على كرامة مصر .. نحن إلى فناء وأما مصر فباقية أبد الدهر .. وهي إن بقيت، فلا بد لكرامتها من أن تبقى كاملة شاملة سليمة غير منقوصة.
Unknown page