وفي شوال سنة 1200، دخل «حسن باشا» القاهرة بعد أن أخربت جيوشه ما مروا به من المدن والقرى ونهبوها ولولاه لم يبقوا على شيء أصلا. لكنه كان يمنعهم من ذلك بالقوة، وقتل كثيرين منهم عبرة للباقين، فكفت الأيدي فسكنت الناس. فلما دخل القاهرة، نزل في بيت «إبراهيم بك» عند قصر العيني على النيل، ثم عرض أمتعة البكوات المنهزمين للمزاد العمومي، ومن جملتها حريمهم وأولادهم ومماليكهم، فاسترحم المشائخ أن يخرج الأولاد والنساء الحوامل من معرض البيع لأن ذلك فضلا عن مخالفته للعواطف الإنسانية فهو مغضب لله.
فانتهرهم القبطان باشا قائلا: «سأكتب إلى الآستانة بأنكم تعارضون في بيع أمتعة أعداء جلالة السلطان!» فأجابه الشيخ السادات قائلا: «قد أرسلت إلينا لمعاقبة شخصين وليس لهتك شرائعنا والطعن في عاداتنا فاكتب إلى الآستانة ما شئت!»
فعند ذلك أمر الباشا باستثناء المحظيات الحوامل من البيع، وبعد أن بيعت سائر الأمتعة عكف «حسن باشا» في إصلاح الإدارة، فأصلحها على ما يوافق الإرادة الشاهانية.
وكان قد استقدم «إسماعيل بك» و«حسن بك الجداوي» من الصعيد، فأرسلهما في جيش بقيادة «عابدين باشا» و«درويش باشا» قائدي الحملة العثمانية التي جاءت إلى مصر عن طريق البر - فضلا عن العمارة المتقدم ذكرها - وسار في تلك الحملة أيضا نحو ألف مقاتل من رجال الشام تحت قيادة أمير كبير من أمراء شيخي أوغلي، فاجتمعت هذه الحملة، وسارت نحو الصعيد لمحاربة مراد بك ورجاله، فحصلت هناك واقعة عظيمة شفت عن عدة قتلى من الجانبين، وانهزم «مراد بك» ورجاله إلى الشلالات، ورجعت الجنود العثمانية ظافرة إلى القاهرة. ثم جاءت الأوامر الشاهانية بعزل «محمد باشا» وتولية «عابدين باشا».
وهنا تنتهي مهمة «حسن قبطان باشا» فاستدعي إلى الآستانة بسبب الحرب مع روسيا. ولكن مصر لم تنج من البكوات. وكانوا لا يزالون في مصر العليا كما رأيت، والمسيحيون يشكون من معاملة «حسن باشا» بأنه أخذ متاعهم وباعه على مشهد من الناس فضلا عن الإهانة التي سامهم إياها، وعلى الخصوص المعلم «إبراهيم الجوهري» أمير احتساب مصر؛ فإنهم قبضوا على امرأته وأجبروها أن تخبرهم بمخابئ زوجها من النقود، فأخبرتهم، فاستخرجوها، وأخذوها.
ولما برح «حسن باشا» القاهرة، أقام عليها «إسماعيل بك» شيخ البلد، فعهد هذا إلى صديقه «حسن بك الجداوي» إمارة الحج واتفقا معا على اقتسام الإيراد.
في سنة 1203ه توفي السلطان «عبد الحميد الأول». (2) سلطنة سليم الثالث
من سنة 1203-1213ه أو من 1789-1798م
هو ابن السلطان مصطفى الثالث، تولى السلطنة وسنه 28 سنة، ووجه السياسة بظلم والدولة متضعضعة، فبذل جهده في الإصلاح، ولكن اليأس كان قد استولى على الجنود وضعف عزائمهم.
وفي سنة 1205، طرأ على القاهرة وسائر القطر المصري وباء الوطأة لم تقاس قبله مثله، حتى بلغ عدد الموتى نحو الألف في اليوم بالقاهرة وحدها. وتقلب على حكومتهم في يوم واحد ثلاثة حكام، وسبب ذلك أن «إسماعيل بك» أصيب بالوباء، فأقيم آخر مكانه، فآخر حتى فني كل من كان من بيت «إسماعيل بك» إلا واحدا يدعى «عثمان بك الطبل». ولا يزال هذا الوباء مشهورا بفتكه، المعروف بطاعون إسماعيل، فتولى «عثمان بك الطبل» المذكور مشيخة البلد، ولم يكن قادرا على إدارة الأعمال التي عهدت إليه فاستدعى «إبراهيم بك» و«مراد بك» فدخلا القاهرة في 21 القعدة من تلك السنة، ففر «حسن الجداوي» إلى مصر العليا قانطا.
Unknown page