237

Mirqāt al-Mafātīḥ sharḥ Mishkāt al-Maṣābīḥ

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Publisher Location

بيروت - لبنان

وَقَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: لِأَنَّهُ إِنْ سَكَتَ ﵊ عَنْ جَوَابِهِ يَكُونُ رَدْعًا لِسَائِلِهِ، وَإِنْ أَجَابَ عَنْهُ كَانَ تَغْلِيظًا لَهُ، فَيَكُونُ بِسَبَبِهِ تَغْلِيظًا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ أَعْظَمَ جُرْمًا لِتَعَدِّي جِنَايَتِهِ إِلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِشُؤْمِ لَجَاجِهِ، وَأَمَّا مَنْ سَأَلَ لِاسْتِبَانَةِ حُكْمٍ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) . قِيلَ: لَفْظُ: " فِي الْمُسْلِمِينَ " لَيْسَ لِلْبُخَارِيِّ، وَكَذَا لَفْظُ " عَلَى النَّاسِ
".
١٥٤ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ــ
١٥٤ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ): ﵁ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ)، أَيْ: آخِرِ زَمَانِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (دَجَّالُونَ): مِنَ الدَّجَلِ وَهُوَ التَّلْبِيسُ جَمْعُ الدَّجَّالِ، وَهُوَ كَثِيرُ الْمَكْرِ وَالتَّلْبِيسِ.، أَيِ: الْخَدَّاعُونَ. يَعْنِي: سَيَكُونُ جَمَاعَةٌ يَقُولُونَ لِلنَّاسِ: نَحْنُ عُلَمَاءُ وَمَشَايِخٌ نَدْعُوكُمْ إِلَى الدِّينِ وَهُمْ (كَذَّابُونَ): فِي ذَلِكَ (يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ)، أَيْ: يَتَحَدَّثُونَ بِالْأَحَادِيثِ الْكَاذِبَةِ وَيَبْتَدِعُونَ أَحْكَامًا بَاطِلَةً وَاعْتِقَادَاتٍ فَاسِدَةً اهـ. كَلَامُ الْمُظْهِرِ. وَيَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْأَحَادِيثُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ، فَيَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا الْمَوْضُوعَاتِ، وَأَنْ يُرَادَ مَا بَيْنَ النَّاسِ أَيْ يُحَدِّثُونَكُمْ بِالَّذِي مَا سَمِعْتُمْ عَنِ السَّلَفِ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ.
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: اتَّفَقَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْجِدَالِ فِي الصِّفَاتِ، وَعَنِ الْخَوْضِ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَتَعَلُّمِهِ. قَالَ مَالِكٌ: إِيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ. قِيلَ: وَمَا الْبِدَعُ؟ قَالَ: أَهْلُ الْبِدَعِ الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَا يَسْكُتُونَ عَمَّا سَكَتَ عَنْهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ عِلْمًا لَتَكَلَّمُوا فِيهِ كَمَا تَكَلَّمُوا فِي الْأَحْكَامِ، وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْكَلَامِ فَقَالَ: دَعِ الْبَاطِلَ؛ أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الْحَقِّ، اتَّبِعِ السُّنَّةَ وَدَعِ الْبِدْعَةَ. وَقَالَ: وَجَدْتُ الْأَمْرَ فِي الِاتِّبَاعِ، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِمَا عَلَيْهِ الْجَمَّالُونَ، وَالنِّسَاءُ فِي الْبُيُوتِ، وَالصِّبْيَانُ فِي الْكُتَّابِ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَأَنْ يُبْتَلَى الرَّجُلُ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ خَلَا الشِّرْكِ بِاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُبْتَلَى بِالْكَلَامِ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: لِأَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِكُلِّ ذَنْبٍ مَا خَلَا الشِّرْكِ بِاللَّهِ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ أَلْقَاهُ بِمَسْأَلَةٍ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ. وَقَالَ: رَأْيِي وَحُكْمِي فِي أَهْلِهِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَيُطَافُ بِهِمْ فِي الْأَسْوَاقِ أَوْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ، وَيُقَالُ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَاشْتَغَلَ بِالْكَلَامِ.
فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ فِيمَا سَبَقَ: إِنَّ عِلْمَ الْكَلَامِ مِنَ الْبِدْعَةِ الْوَاجِبَةِ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ حَيْثُ الضَّرُورَةِ مِنْ غُلُوِّ الْمُبْتَدِعَةِ وَالْمُلْحِدَةِ، فَحِينَئِذٍ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دَفْعُهُمْ، وَالْمَحْذُورُ جَعْلُهُ صَنْعَةً وَعَادَةً، وَلِهَذَا كَانَ تَعَلُّمُ عِلْمِ الْكَلَامِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ كَسَائِرِ الصِّنَاعَاتِ الْمُبَاحَةِ. كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَدْ أَلَّفَ الْإِمَامُ الشَّيْخُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ ﵀ رِسَالَةً فِي تَحْرِيمِ الْمَنْطِقِ وَالْكَلَامِ، وَفِيهَا اسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ التَّمَامِ. (فَإِيَّاكُمْ)، أَيْ: أَبْعِدُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْهُمْ (وَإِيَّاهُمْ)، أَيْ: بَعِّدُوهُمْ عَنْكُمْ (لَا يُضِلُّونَكُمْ): اسْتِئْنَافُ جَوَابٍ لِقَائِلٍ: لِمَ نُبْعِدُهُمْ؟ لِئَلَّا يُضِلُّوكُمْ فَحَذَفَ الْجَارَّ وَالنَّاصِبَ فَعَادَ الْفِعْلُ إِلَى الرَّفْعِ، كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: كَأَنَّهُ قِيلَ مَاذَا يَكُونُ بَعْدَ الْحَذَرِ؟ فَأُجِيبَ: لَا يُضِلُّونَكُمُ اهـ.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٥] عَلَى قِرَاءَةِ الرَّفْعِ اهـ.

1 / 239