236

Mirqāt al-Mafātīḥ sharḥ Mishkāt al-Maṣābīḥ

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Publisher Location

بيروت - لبنان

عَلَى حَقِيقَتِهِ، فَإِنَّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْ كَلِمَاتِ الرَّجُلَيْنِ صَوْتٌ مُعْتَمِدٌ عَلَى مَخْرَجِهِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤] أَطْلَقَ قُلُوبَ عَلَى قَلْبَيْنِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِهِ لِاسْتِثْقَالِ الْجَمْعِ بَيْنَ تَثْنِيَتَيْنِ فِيمَا هُوَ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ (اخْتَلَفَا): صِفَةُ رَجُلَيْنِ، أَيْ: تَنَازَعَا وَاخْتَصَمَا (فِي آيَةٍ)، أَيْ: فِي مَعْنَى آيَةٍ مُتَشَابِهَةٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُهُمَا فِي لَفْظِهَا اخْتِلَافَ قِرَاءَةٍ (فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعْرَفُ): عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ (فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ): الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ مِنْ فَاعِلِ خَرَجَ، وَكَانَ ﵊ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَغْضَبُ لِلَّهِ، فَيَشْتَدُّ بِهِ ذَلِكَ الْغَضَبُ حَتَّى يُرَى أَثَرُهُ مِنْ حُمْرَةِ اللَّوْنِ وَنَحْوِهَا فِي وَجْهِهِ الْكَرِيمِ (فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ): أَيْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ)، أَيِ: الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِمْ بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا شَاءَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ الْمَنْهِيِّ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
١٥٣ - وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى النَّاسِ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
ــ
١٥٣ - (وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ): ﵁ هُوَ مِنَ الْعَشْرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ، يُكْنَى أَبَا إِسْحَاقَ، وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ: مَالِكُ بْنُ وَهِيبٍ الزُّهْرِيُّ الْقُرَشِيُّ، أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَالَ: كُنْتُ ثَالِثَ الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَكَانَ مُجَابَ الدَّعْوَةِ مَشْهُورًا بِذَلِكَ، تُخَافُ دَعْوَتُهُ وَتُرْجَى لِاشْتِهَارِ إِجَابَتِهَا عِنْدَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِيهِ: اللَّهُمَّ سَدِّدْ سَهْمَهُ وَأَجِبْ دَعْوَتَهُ وَجَمَعَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلِلزُّبَيْرِ أَبَوَيْهِ فَقَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: (فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمَا، مَاتَ فِي قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَحُمِلَ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَصَلَّى عَلَيْهِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَالِي الْمَدِينَةِ، وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ، وَلَهُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَهُوَ آخِرُ الْعَشَرَةِ مَوْتًا، وَلَّاهُ عُمَرُ وَعُثْمَانُ الْكُوفَةَ، رَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ. (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ)، أَيْ: فِي حَقِّهِمْ وَجِهَتِهِمْ (جُرْمًا): تَمْيِيزٌ أَيْ ذَنْبًا وَظُلْمًا كَائِنًا فِيهِمْ. قَالَ الطِّيبِيُّ: أَصْلُهُ أَجْرَمَ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ إِلَى أَعْظَمَ، ثُمَّ فُسِّرَ بِـ (جُرْمًا) لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْأَعْظَمَ نَفْسَهُ جُرْمٌ (مَنْ سَأَلَ)، أَيْ: نَبِيَّهُ (عَنْ شَيْءٍ): بِالتَّنْكِيرِ (لَمْ يُحَرَّمْ): بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّحْرِيمِ (عَلَى النَّاسِ): الْجُمْلَةُ صِفَةُ شَيْءٍ بِأَنْ يَسْأَلَ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَمْ لَا؟ (فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ) .، أَيْ: فَحُرِّمَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لِأَجْلِ سُؤَالِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي سُؤَالِهِ، إِذْ أُمِرَ بِالسُّكُوتِ وَنُهِيَ عَنِ النُّطْقِ فَعُوقِبَ بِتَحْرِيمِ مَا سَأَلَ عَنْهُ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا فِي حَقِّ مَنْ سَأَلَ عَبَثًا وَتَكَلُّفَا فِيمَا لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ كَمُسَأَلَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي شَأْنِ الْبَقَرَةِ دُونَ مَنْ يَسْأَلُ سُؤَالَ حَاجَةٍ، فَإِنَّهُ يُثَابُ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ: أَصْلُ الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْحَظْرِ.

1 / 238