Mirqāt al-Mafātīḥ sharḥ Mishkāt al-Maṣābīḥ
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Publisher Location
بيروت - لبنان
صِفَةٌ لَهُ، وَعَلَى هَذَا يُنَزَّلُ قَوْلُهُ عَلَى الشَّكِّ، وَالتَّقْدِيرُ أُنَبِّهُكَ حَالَ كَوْنِكَ ثَابِتًا أَوْ مُثَبَّتًا عَلَى يَقِينِكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَلَى لِلْوُجُوبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، أَيْ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَالَ كَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَدًا أَوْ وَعِيدًا عَلَى الْيَقِينِ أَوِ الشَّكِّ.
كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ فِيهِ تَكَلُّفٌ بَلْ تَعَسُّفٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: (عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ: هَذَا مَقْعَدُكَ لِأَنَّكَ كُنْتَ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْيَقِينِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَتَقْدِيمُ الْخَبَرِ لِلِاهْتِمَامِ وَالِاخْتِصَاصِ التَّامِّ، ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ حَجْرٍ قَدَّمَ قَوْلِي عَلَى قَوْلِ الطِّيبِيِّ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى انْفِصَالِ قَوْلِهِ عَلَى الْيَقِينِ عَمَّا قَبْلَهُ قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ مُتَّ): بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا (وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ): يَعْنِي كَمَا تَعِيشُ تَمُوتُ وَكَمَا تَمُوتُ تُحْشَرُ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى): لِلتَّبَرُّكِ أَوْ لِلتَّحْقِيقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف: ٩٩] (وَيَجْلِسُ الرَّجُلُ): بِالْوَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ (السَّوْءُ): بِفَتْحِ السِّينِ وَتُضَمُّ ضِدُّ الصَّالِحِ (فِي قَبْرِهِ فَزِعًا)، أَيْ: خَائِفًا غَايَةَ الْفَزَعِ (مَشْغُوبًا)، أَيْ: مَرْعُوبًا (فَيُقَالُ لَهُ)، أَيْ: لِلرَّجُلِ السَّوْءِ (فِيمَ كُنْتَ؟): أَيْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ (فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي) ! مَا الدِّينُ أَوْ لِلْهَيْبَةِ نَسِيَ دِينَهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ، أَيْ: مَا الَّذِي كُنْتَ فِيهِ وَهُوَ كَذِبٌ مِنْهُ وَتَمْوِيهٌ عَنْ أَنْ يُجِيبَ بِالْجَوَابِ الْمُطَابِقِ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْكُفْرِ أَوِ النِّفَاقِ اهـ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا كَلَامُ الرَّجُلِ الْمَدْهُوشِ الْمُتَحَيِّرِ الَّذِي لَا يَدْرِي الْجَوَابَ الْمُطْلَقَ مُطَابِقًا أَوْ غَيْرَ مُطَابِقٍ صَوَابًا أَوْ غَيْرَ صَوَابٍ (فَيُقَالُ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ؟)، أَيِ: الَّذِي رَأَيْتَهُ أَوْ سَمِعْتَهُ (فَيَقُولُ: سَمِعْتُ النَّاسَ)، أَيِ: الْمُؤْمِنِينَ أَوِ الْكُفَّارَ أَوْ أَعَمَّ مِنْهُمَا (يَقُولُونَ)، أَيْ: فِي حَقِّهِ (قَوْلًا): بِالْحَقِّ أَوْ بِالْبَاطِلِ عَلَى زَعْمِهِ (فَقُلْتُهُ)، أَيْ: تَقْلِيدًا لَا تَحْقِيقًا وَاعْتِقَادًا (فَيُفْرَجُ لَهُ)، أَيْ: فُرْجَةٌ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (قِبَلَ الْجَنَّةِ): قَبْلَ النَّارِ لِأَنَّ الْمِحْنَةَ بَعْدَ النِّعْمَةِ أَقْوَى وَأَشَدُّ (فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا): كَمَا كَانَ يَنْظُرُ فِي الدُّنْيَا إِلَى الْآيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ مِنَ الْأَنْفُسِيَّةِ وَالْآفَاقِيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا (فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللَّهُ عَنْكَ): حَيْثُ خَذَلَكَ وَلَمْ يَهْدِكَ وَلَمْ يُوَفِّقْكَ إِلَى مَا يَجُرُّكَ إِلَى الْجَنَّةِ اخْتَرْتَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَوْزَارِ مَا يُفْضِي إِلَى النَّارِ، وَلِهَذَا (ثُمَّ يُفْرَجُ): أَيْ لَهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (فُرْجَةٌ إِلَى النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا): هُنَا بِتَأْنِيثِ الضَّمِيرِ (يُحَطِّمُ): بِكَسْرِ الطَّاءِ (بَعْضُهَا بَعْضًا): إِشَارَةٌ إِلَى عَظَمَةِ النَّارِ (فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ)، أَيْ: مَكَانُكَ اللَّازِمُ وَمَحَلُّكَ الدَّائِمُ (عَلَى الشَّكِّ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مُتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى): وَالْكُلُّ بِقَضَائِهِ وَبِقَدَرِهِ، وَبِهَذَا تَحْصُلُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ هَذَا الْبَابِ وَمَا قَبْلَهُ. (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) .
[بَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
١٤٠ - عَنْ عَائِشَةَ ﵂، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: («مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ») مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[٥] بَابُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
الْعِصْمَةُ: الْمَنْعُ، وَالْعَاصِمُ الْحَامِي، وَالِاعْتِصَامُ الِاسْتِمْسَاكُ بِالشَّيْءِ افْتِعَالٌ مِنْهُ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ [آل عمران: ١٠٣] أَيْ تَمَسَّكُوا بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ كَذَا قِيلَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَبْلِ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ. وَالِاعْتِصَامُ بِهِ مُسْتَلْزِمُ الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ هُنَا أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ وَأَحْوَالُهُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْحَقِيقَةِ، وَلِذَا
1 / 221