167

Mirqat Mafatih

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح

Publisher

دار الفكر

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م

Publisher Location

بيروت - لبنان

قَالَ: وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا كَانَ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلٍ، أَوْ أَثَرٍ، أَوْ رِزْقٍ، أَوْ أَجَلٍ، فَكَتَبَ مَا يَكُونُ، وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ خُتِمَ عَلَى فَمِ الْقَلَمِ فَلَمْ يَنْطِقْ، وَلَا يَنْطِقُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ») أَخْرَجَهُ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، هَذَا وَرُوِيَ: «أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلُ، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِي، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ رُوحِي، وَإِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْعَرْشُ»، وَالْأَوَّلِيَّةُ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ فَيُؤَوَّلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ خُلِقَ قَبْلَ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ، فَالْقَلَمُ خُلِقَ قَبْلَ جِنْسِ الْأَقْلَامِ، وَنُورُهُ قَبْلَ الْأَنْوَارِ، وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَرْشَ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ، وَالْأَرْضِ، فَتُطْلَقُ الْأَوَّلِيَّةُ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ بِشَرْطِ التَّقْيِيدِ فَيُقَالُ: أَوَّلُ الْمَعَانِي كَذَا، وَأَوَّلُ الْأَنْوَارِ كَذَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ («أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِي»)، وَفِي رِوَايَةٍ: رُوحِي، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَإِنَّ الْأَرْوَاحَ نُورَانِيَّةٌ أَيْ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الْأَرْوَاحِ رُوحِي (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ إِسْنَادًا) أَيْ: لَا مَتْنًا، وَالْمُرَادُ بِهِ حَدِيثٌ يُعَرَفُ مَتْنُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَانْفَرَدَ وَاحِدٌ بِرِوَايَتِهِ عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ: غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَاسْتِيفَاءُ هَذَا الْمَبْحَثِ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ.
٩٥ - وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ ﵁، قَالَ: «سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] الْآيَةَ، قَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُسْأَلُ عَنْهَا قَالَ " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً؛ فَقَالَ: خَلَقَتُ هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ خَلَقَتُ هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ فَقَالَ رَجُلٌ: فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الْجَنَّةَ، وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ» " رَوَاهُ مَالِكٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو دَاوُدَ.
ــ
٩٥ - (وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارِ) أَيِ: الْجُهَنِيِّ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثُهُ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ عُمَرَ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّابِعِينَ (قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ) أَيْ: عَنْ كَيْفِيَّةِ أَخْذِ اللَّهِ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمُ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ (وَإِذْ أَخَذَ) أَيْ: أَخْرَجَ ﴿رَبُّكَ مَنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢]: بَدَلُ الْبَعْضِ قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّهُ بَدَلُ الِاشْتِمَالِ، وَوَافَقَهُ أَبُو الْبَقَاءِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مَعْنًى، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَظْهَرَ لَفْظًا، وَقَدْ حَقَّقْتُهُ فِي حَاشِيَتَيِ الْجَمَالَيْنِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ (ذُرِّيَّتَهُمْ): الْجُمْهُورُ عَلَى الْإِفْرَادِ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْجَمْعِ (الْآيَةَ): بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ (قَالَ عُمَرُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُسْأَلُ): بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ (عَنْهَا) أَيْ: عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ («فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ» ") أَيْ: ظَهَرَ آدَمَ (" بِيَمِينِهِ ") أَيْ: بِقُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُنْسَبُ الْخَيْرُ إِلَى الْيَمِينِ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَخْصِيصِ آدَمَ بِالْكَرَامَةِ، وَقِيلَ بِيَدِ بَعْضِ مَلَائِكَتِهِ، وَهُوَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ عَلَى تَصْوِيرِ الْأَجِنَّةِ أُسْنِدَ إِلَيْهِ تَعَالَى لِلتَّشْرِيفِ، أَوْ لِأَنَّهُ الْآمِرُ وَالْمُتَصَرِّفُ، كَمَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ التَّوَفِّي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ﴾ [الزمر: ٤٢] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ [النحل: ٢٨] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَاسِحُ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى، وَالْمَسْحُ مِنْ بَابِ التَّصْوِيرِ، وَالتَّمْثِيلِ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْمِسَاحَةِ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ قَالَ: قَدَّرَ وَبَيَّنَ مَا فِي ظَهْرِهِ مِنَ الذُّرِّيَّةِ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ نَزَّلَ تَمْكِينَ بَنِي آدَمَ مِنَ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيَّتِهِ بِنَصْبِ الدَّلَائِلِ، وَخَلْقِ الِاسْتِعْدَادَ فِيهِمْ، وَتَمَكُّنِهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهَا، وَالْإِقْرَارِ بِهَا مَنْزِلَةَ الْإِشْهَادِ وَالِاعْتِرَافِ تَمْثِيلًا وَتَخْيِيلًا، فَلَا قَوْلَ ثَمَّ وَلَا شَهَادَةً حَقِيقَةً اهـ.

1 / 169