Mirqat Mafatih
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
Publisher
دار الفكر
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٢هـ - ٢٠٠٢م
Publisher Location
بيروت - لبنان
أَيِ: امْرَأَتِكَ أَوْ جَارِيَتِكَ، أَوْ عَبْدِكَ بِالطَّلَاقِ أَوِ الْبَيْعِ أَوِ الْعِتْقِ أَوْ غَيْرِهَا (وَمَالِكَ): بِالتَّصَرُّفِ فِي مَرْضَاتِهِمَا. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: شَرْطٌ لِلْمُبَالَغَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَكْمَلِ أَيْضًا أَيْ: لَا تُخَالِفْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَإِنْ غَلَا فِي شَيْءٍ أَمَرَكَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِرَاقَ زَوْجَةٍ أَوْ هِبَةَ مَالٍ، أَمَّا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْجَوَازِ فَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقُ زَوْجَةٍ أَمَرَاهُ بِفِرَاقِهَا، وَإِنْ تَأَذَّيًا بِبَقَائِهَا إِيذَاءً شَدِيدًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ ضَرَرٌ بِهَا، فَلَا يُكَلَّفَهُ لِأَجْلِهِمَا؛ إِذْ مِنْ شَأْنِ شَفَقَتِهِمَا أَنَّهُمَا لَوْ تَحَقَّقَا ذَلِكَ لَمْ يَأْمُرَاهُ بِهِ فَإِلْزَامُهُمَا لَهُ مَعَ ذَلِكَ حُمْقٌ مِنْهُمَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِخْرَاجُ مَالِهِ (وَلَا تَتْرُكَنَّ صَلَاةً مَكْتُوبَةً) أَيْ: مَفْرُوضَةً (مُتَعَمِّدًا): احْتِرَازٌ مِنَ السَّهَرِ وَالنِّسْيَانِ وَالضَّرُورَةِ (فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً) أَيْ: مَفْرُوضَةً وَلَوْ نَذْرًا عَنْ وَقْتِهَا (مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ) أَيْ: لَا يَبْقَى فِي أَمْنٍ مِنَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا بِاسْتِحْقَاقِ التَّعْزِيرِ وَالْمَلَامَةِ، وَفِي الْعُقْبَى بِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كِنَايَةٌ عَنْ سُقُوطِ احْتِرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ التَّرْكِ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْعُقُوبَةِ بِالْحَبْسِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلِقَتْلِهِ حَدًّا لَا كُفْرًا بِشَرْطِ إِخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا الضَّرُورِيِّ، وَأَمْرِهِ بِهَا فِي الْوَقْتِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا، وَلِقَتْلِهِ كُفْرًا فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ بِمَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَآخَرِينَ. (وَلَا تَشْرَبَنَّ خَمْرًا فَإِنَّهُ) أَيْ: شُرْبُهَا (رَأْسُ كُلِّ فَاحِشَةٍ) أَيْ: قَبِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْفَوَاحِشِ هُوَ الْعَقْلُ؛ وَلِذَا سُمِّيَ عَقْلًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ صَاحِبَهُ عَنِ الْقَبَائِحِ فَبِزَوَالِهِ عَنِ الْإِنْسَانِ يَقَعُ فِي كُلِّ فَاحِشَةٍ عَرَضَتْ لَهُ، وَلِذَا سُمِّيَتْ أُمَّ الْخَبَائِثِ، كَمَا سُمِّيَتِ الصَّلَاةُ أُمَّ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ): تَحْذِيرٌ وَتَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، وَإِيذَانٌ بِأَنَّ الْمَعَاصِيَ السَّابِقَةَ أَعْظَمُهَا ضَرَرًا (فَإِنَّ بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللَّهِ) أَيْ: نَزَلَ، وَثَبَتَ عَلَى فَاعِلِهَا، وَاسْمُ إِنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ الْمَحْذُوفِ أَيْ: فَإِنَّهُ، وَقِيلَ: ضَمِيرُ الشَّأْنِ لَا يُحْذَفُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ تَعْظِيمُ الْكَلَامِ فَيُنَافِي الِاخْتِصَارَ، وَرُدَّ بِحَذْفِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ﴾ [التوبة: ١١٧] وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَحَذْفُهُ مَنْصُوبًا ضَعِيفٌ فَقَدْ ضَعَّفُوهُ أَيْضًا، كَيْفَ يَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِهِ ﵊ فِي النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ: «أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ»؟ ! أَيْ: فَإِنَّ الْأَمْرَ وَالشَّأْنَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَكَ أَنْ تُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ قِيَاسًا لَا اسْتِعْمَالًا، وَمِثْلُهُ وَاقِعٌ فِي الْقُرْآنِ فِي: ﴿قَتْلُ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٧] بِنَصْبِ (أَوْلَادَ) الْفَاصِلِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ اهـ. وَأَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ ابْنِ عَامِرٍ، وَأَظْهَرُ مِنْهُ وُجُودُ أَبَى يَأْبَى فِي الْقُرْآنِ مَعَ كَوْنِهِ شَاذًّا فِي الْقِيَاسِ بِلَا خِلَافٍ («وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ»): تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ (وَإِنْ هَلَكَ النَّاسُ) أَيْ: بِالْفِرَارِ أَوِ الْقَتْلِ، وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: شَرْطٌ لِلْمُبَالَغَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَكْمَلِ أَيْضًا، وَإِلَّا فَقَدَ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٦] الْآيَةَ. أَنَّ الْكُفَّارَ حَيْثُ زَادُوا عَلَى الْمِثْلَيْنِ جَازَ الِانْصِرَافُ (وَإِذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ) أَيْ: طَاعُونٌ وَوَبَاءٌ (وَأَنْتَ فِيهِمْ): الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (فَاثْبُتْ): لِقَوْلِهِ ﵊: («وَإِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدٍ، وَأَنْتُمْ فِيهِ فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهُ، وَإِذَا وَقَعَ بِبَلَدٍ، وَلَسْتُمْ فِيهِ فَلَا تَدْخُلُوا إِلَيْهِ»)، وَحِكْمَةُ الْأَوَّلِ أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ لَوْ مُكِّنُوا مِنْ ذَلِكَ لَذَهَبُوا، وَتَرَكُوا الْمَرْضَى فَيَضِيعُوا، وَالثَّانِي أَنَّ مَنْ قَدِمَ رُبَّمَا أَصَابَهُ؛ فَيُسْنِدُ ذَلِكَ إِلَى قُدُومِهِ فَيَزِلُّ قَدَمُهُ، وَمَحَلُّ الْأَمْرَيْنِ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ إِلَى الْخُرُوجِ، أَوِ الدُّخُولِ، وَإِلَّا فَلَا إِثْمَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ. (وَأَنْفِقْ عَلَى عِيَالِكَ): بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ: مَنْ تَجِبُ عَلَيْكَ نَفَقَتُهُ شَرْعًا، وَمَحَلُّ بَسْطِهِ كُتُبُ الْفِقْهِ (مِنْ طَوْلِكَ): بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ: فَضْلِ مَالِكَ، وَفِي مَعْنَاهُ الْكَسْبُ بِقَدْرِ الْوُسْعِ، وَالطَّاقَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاقْتِصَادِ، وَالْوَسَطِ فِي الْمُعْتَادِ (وَلَا تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا): مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ: لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلتَّعْذِيبِ، وَالْمَعْنَى إِذَا اسْتَحَقُّوا الْأَدَبَ بِالضَّرْبِ فَلَا
1 / 133