وحدثتني عن أهلها، وظروف هربها، والتجائها أخيرا إلى المدام بوصفها عميلة أبيها. قلت بإشفاق: ولكنها خواجاية .. والبنسيون كما تعلمين سوق.
قالت بثقة واعتزاز: عرفت الحقل والسوق.
ليست بالغرة ولا بالهشة. ولكن هل آخذ القصة بحرفيتها؟ إن اللاتي يهربن من القصة إنما يهربن ... هه؟! وقلت وأنا أرامقها مفتونا بها: حدث ذلك كله لكي نلتقي هنا.
رمتني بنظرة مستطلعة لا تخلو من ارتياب ولكنها ندية بالميل، فقلت: أحبك. هذا ما أود قوله ولا أمله يا زهرة.
تمتمت: كفاية!
لن أكف حتى أسمع مثلها من شفتيك، حتى تطمئن إلى حضني. - أهذا ما تفكر فيه؟ - لن يكون لشيء طعم حتى أناله ...
ذهبت بوجه صاف لا أثر فيه للكدر أو الغضب. هنأت نفسي على بلوغ المراد. ووجدتني أجتر حنيني القديم إلى الزواج، إنه لحنين قديم، وقد فاض من جديد كنبع يتفجر. أود من أعماقي يا زهرة لولا .. أجل، لولا ... سحقا للبديهيات السخيفة القاتلة! •••
انضم إلينا شابان جديدان؛ حسني علام ومنصور باهي. تطلعت إلى التعرف بهما بغريزة لا تني عن الإكثار من المعارف والصحاب، ودائما تنظر إلى الوجه الجديد بعين صياد. وحسني علام من أسرة قديمة بطنطا، وجيه من الوجهاء، ومالك لمائة فدان، جميل الوجه قوي البنيان، كما يتمنى أي واحد منا أن يكون. وأنا قد أكره فكرة طبقته، ولكني أفتن بأي شخص منها إذا ساقتني الظروف الممتازة إلى صحبته. ومن السهل تخيل الحياة التي يمارسها شاب مثله رغم تغير الأحوال، فإن يكن بعد ذلك كريما كما ينبغي له فحدث عن الليالي الملاح بغير حساب.
أما منصور باهي فنوع آخر من الشبان. إذاعي بمحطة الإسكندرية وشقيق ضابط كبير من رجال الأمن. ذاك جميل ومفيد أيضا، ولكنه يبدو ملتصقا بذاته فوق ما يتصور العقل. إنه تمثال دقيق جيد الصنع ذو ملامح بريئة لا يحظى بها عادة إلا طفل. أين يمكن العثور على مفتاحه أو الاهتداء إلى الدرب الضيق الوعر الموصل إلى قلبه. ما أكثر الذين يفدون من القرية سعيا وراء عمل، وما أكثر المشكلات التي يتطلب حلها الاستعانة بضابط كبير من رجال الأمن. •••
جذبتها من ساعدها بغتة. انتظرت حتى وضعت قدح الشاي على الترابيزة ثم جذبتها من ساعدها بغتة. اختل توازنها فتهاوت علي بمجلسي على المقعد الكبير فاحتويتها بذراعي وقبلت خدها - المتاح لي من وجهها - قبلة خاطفة متوترة نهمة متعجلة. اعترضت ساعدي بيدين قويتين ثم تملصت مني. انتصبت متراجعة مقطبة. نظرت نحوها في حذر وتوقع، ثم ابتسمت مستعطفا. تجملت بالصبر فيما بدا. ثم راق وجهها وصفا كالبحر في صباح خريف دميث. توسلت إليها بإشارة أن تقترب فلم تلب ولم تذهب. وثبت إليها محموما برغبة مجنونة فضممتها إلى صدري بلا مقاومة تذكر، ثم التقت شفتانا في قبلة طويلة نهمة. وهمست في أذنها ورائحة شعرها الآدمية تملأ أنفي: تعالي إلي ليلا.
Unknown page