354

Kitāb Minhāj al-Muttaqīn fī ʿilm al-kalām (liʾl-Qurashī)

كتاب منهاج المتقين في علم الكلام(للقرشي)

Genres

Qur’an

والجواب: أنه دعاء تعبدنا به كما سلف في نظائره، ويجوز أن يكون المراد لا يعذبنا؛ لأن الزيغ قد ورد بمعنى العذاب في قوله: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} بدليل أنه جعله جزاء على زيغهم، ولو كان كما قالوه لكان تقديره: فلما أزاغ الله قلوبهم أزاغ الله قلوبهم، ويجوز أن يكون المعنى أزاغ الله قلوبهم عن رحمته، بأن سلبها التوفيق والإلطاف.

ومنها: قوله: {وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست} فبين أن غرضه أن يقولوا ما هو كفر.

والجواب: أن الغرض بالتصريف ضد ما قالوه، وهو التذكرة والتكرار، ولو كان كما قالوه لكان كمن يقول ذكرت لفلان حاجتي وكررتها لينساها، والمعنى لئلا يقولوا درست كما قال تعالى: {يبين الله لكم أن تضلوا} أي لئلا تضلوا، وحذف لا في مثل هذا كثير، قالت الخنساء:

فآليت آسى على هالك .... وأسأل نائحة ما لها

وقال أبو حنبل الطائي:

لقد آليت أغدر في جداع .... وإن منيت أمات الرباع

لأن الغدر في الأقوام عار .... وأن الحر يجزأ بالكراع

فكيف يقول: آليت أغدر، ثم يقول: لأن الغدر في الأقام عار، فولا أن التقدير لقد آليت لا أغدر، ويجوز أن تكون لام العاقبة كأنه قال: يصرف الآيات ويكررها، وعاقبتهم أن يقولوا درست، ويجوز أن يكون المعنى بقوله: وليقولوا درست، التهديد الوارد في صورة الأمر كقوله: {وليوفوا نذورهم}.

ومنها قوله حكاية عن إبليس: {رب بما أغويتني} وأشباهها، وذلك تصريح بأنه أغواه.

الجواب: إنما حكى الله قول إبليس فمن أين لكم أن إبليس صادق، وما أنكرتم أن يكون كحكايته عن المشركين قولهم لو شاء الله ما أشركنا، ولا بد للخصوم من الاعتراف بأنه كاذب؛ لأنه أقسم ليغوينهم أجمعين، وهو كاذب من وجهين، من حيث لا يقدر على الإغواء إلا الله عندهم، ومن حيث لم يغو جميع الناس، وبعد فالظاهر يقتضي أن الإغواء آلة لإبليس في الإضلال، وهو باطل بالاتفاق منا ومنهم.

Page 360