صلوات الله عليهما: ﴿أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون﴾، وعن أبناء يعقوب صلوات الله عليهم أنهم قالوا لأبيهم: ﴿وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين﴾، وعن كفار العرب أنهم قالوا فيما بينهم: ﴿ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم﴾. فمن الناس من قال: إن قولهم "آمنت به"، و"آمنت له" لغتان يعبر بهما عن معنى واحد. والصحيح ما خالف هذا، وهو أن قولهم: "آمنت به" إنما يراد إثباته وتحقيقه والتصديق بكونه ووجوده. وقوله: "آمنت له" إنما يراد إتباعه وموافقته،.فالإيمان بالله تعالى جده إثباته والاعتراف بوجوده، والإيمان له القبول عنه والطاعة له. والإيمان بالنبي إثباته والإعتراف بثبوته، والإيمان بالنبي موافقته والطاعة له. ويدل على افتراق الصلتين أن إحداهما تصلح حيث لا تصلح الأخرى، فإن بني يعقوب ﵇ لو قالوا لأبيهم: "وما أنت بمؤمن بنا" لما صلح لذلك. ولو قال كفار العرب: "ولا تؤمنوا إلا بمن اتبع دينكم" لما أدى ذلك لما أرادوه من المعنى. وأمر الله نبيه محمدا ﷺ أن يقول للمنافقين: ﴿لن نؤمن لكم﴾، أي لن نقبل منكم عذركم، ولو كان مكانه: "لن نؤمن بكم"، ما جاز ولا حسن. وقال جل ثناؤه: ﴿قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين﴾، ولو كان مكان ذلك: "ويؤمن بالمؤمنين" لما جاز ولا صلح. فثبت بما اقتصصنا أن الصلتين موضوعان لمعنيين متغايرين لا لمعنى واحد. ويدل على صحة ما ذكرت أن اسم التصديق الذي هو حقيقة الإيمان قد يحتمل صلتين: إحداهما الباء والأخرى الهاء. فأما الباء فإنه يليق بالتصديق وبما يتصرف عنه من فعل ونعت. وأما الهاء فإنه يلزم ما ينصرف عنه من فعل، فإذا جاء النعت جازت اللام مكان الهاء، فيقال: "صدقت فلانا وصدقت به"، فمعنى صدقته أثبت قوله وخبره ووثقت بصحته ومعنى صدقت به: أثبت وجوده وكونه. ثم يقال: صدقت به وأنا مصدق. وإذا قيل صدقته، جاز أن يقال: "وأنا مصدقه ومصدق له، قال الله تعالى: ﴿مصدقا لما بين يديه من الكتاب﴾، ولا يصلح مكانه ومصدقا بما بين يديه لأن الغرض، أن هذا الكتاب
1 / 21