155

Sharḥ al-Nawawī ʿalā Ṣaḥīḥ Muslim

شرح النووي على صحيح مسلم

Publisher

دار إحياء التراث العربي

Edition Number

الثانية

Publication Year

١٣٩٢

Publisher Location

بيروت

وَالْقَدَرِ إِجْبَارُ اللَّهِ ﷾ الْعَبْدَ وَقَهْرُهُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَتَوَهَّمُونَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ ﷾ بِمَا يَكُونُ مِنَ اكْتِسَابِ الْعَبْدِ وَصُدُورِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ وَخَلَقَ لَهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا قَالَ وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقَدَّرًا عَنْ فِعْلِ الْقَادِرِ يُقَالُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ وَقَدَّرْتُهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْقَضَاءُ فِي هَذَا مَعْنَاهُ الْخَلْقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات فى يومين أَيْ خَلَقَهُنَّ قُلْتُ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّاتُ مِنَ الْكِتَابِ وِالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى إِثْبَاتِ قَدَرِ اللَّهِ ﷾ وَقَدْ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءُ مِنَ التَّصْنِيفِ فِيهِ وَمِنْ أَحْسَنِ الْمُصَنَّفَاتِ فِيهِ وَأَكْثَرِهَا فَوَائِدَ كِتَابُ الْحَافِظِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ ﵁ وَقَدْ قَرَّرَ أَئِمَّتُنَا مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ ذَلِكَ أَحْسَنَ تَقْرِيرٍ بِدَلَائِلِهِمُ الْقَطْعِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) هُوَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَاهُ جُعِلَ وَفْقًا لَنَا وَهُوَ مِنَ الْمُوَافَقَةِ الَّتِي هِيَ كَالِالْتِحَامِ يُقَالُ أَتَانَا لِتِيفَاقِ الْهِلَالِ وَمِيفَاقِهِ أَيْ حِينَ أَهَلَّ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَهِيَ لَفْظَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ وَفِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ فَوَافَقَ لَنَا بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَالْمُوَافَقَةُ الْمُصَادَفَةُ قَوْلُهُ (فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي) يَعْنِي صِرْنَا فِي نَاحِيَتَيْهِ ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ وَكَنَفَا الطَّائِرِ جَنَاحَاهُ وَفِي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَدَبِ الْجَمَاعَةِ فِي مَشْيهِمْ مَعَ فَاضِلِهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَكْتَنِفُونَهُ وَيَحُفُّونَ بِهِ قَوْلُهُ (فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ) مَعْنَاهُ يَسْكُتُ وَيُفَوِّضُهُ إِلَيَّ لِإِقْدَامِي وَجُرْأَتِي وَبَسْطَةِ لِسَانِي فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنِّي كُنْتُ أَبْسَطَ لِسَانًا قَوْلُهُ (ظهر قبلنا ناس يقرؤن الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ) هُوَ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْفَاءِ وَمَعْنَاهُ يَطْلُبُونَهُ وَيَتَتَبَّعُونَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَجْمَعُونَهُ وَرَوَاهُ بَعْضُ شُيُوخِ الْمَغَارِبَةِ من طريق بن ماهان يتفقرون بتقديم الفاء وهو صحيح أَيْضًا مَعْنَاهُ يَبْحَثُونَ عَنْ غَامِضِهِ وَيَسْتَخْرِجُونَ خَفِيَّهُ وروى

1 / 155