218

Minhag al-ʿabidin

منهاج العابدين

Genres

============================================================

ولما سمعت أيها الرجل بهلذا الحديث العظيم نبؤه ، الكبير خطره، الأليم أثره، الذي تطير له القلوب، وتحير له العقول، وتضيق عن حمله الصدور ، وتجزع من هوله النفوس.. فاعتصم بمولاك إله العالمين ، والزم الباب بالتضؤع والابتهال والبكاء آناء الليل وأطراف النهار مع المتضرعين المبتهلين؛ فإنه لا نجاة من هذا الأمر إلا برحمته، ولا سلامة من هذا البحر إلا بنظره وتوفيقه وعنايته، فتنبه من رقدة الغافلين ، واعقل الأمر حقه، وجاهذ نفسك في هلذه العقبة المخوفة لعلك لا تهلك مع الهالكين، والمستعان بالله تعالى على كل حال، فإنه خير معين، وهو تعالى أرحم الراحمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فتا (في بيان ما يصرف الإنسان عن الالتفات إلى الخلق والنفس) وجملة الأمر : أنك إذا أحسنت النظر ، فرأيت قذر طاعة الله تعالى ، ورأيت عجز الخلق وضعفهم وجهلهم.. فلا تلتفت إليهم بقلبك، وكن زاهدا في ثنائهم ومدجهم وتعظيمهم الذي لا فائدة تحته، فلا ترد بطاعتك شيئا من ذلك: وإذا رأيت خسة الدنيا وحقارتها وسرعة زوالها. . فلا ترذها أيضا بطاعتك من الله تعالى ، وقل : يا نفس؛، أثناء رب العالمين وشكره وإعزازه خير أم ثناء المخلوقين العاجزين الجاهلين ، الذين لا يعرفون قذر عملك بالحقيقة، وما تحملت فيه، وما يبلغون حقك فيما عملت وتحملت؟ بل ربما يفضلون عليك من هو أدون حالا منك بألف درجة، ويضيعونك في أحوج الأوقات وينسونك، وإن لم يفعلوا ذلك.. فماذا عسى أن يكون بأيديهم ؟ وإلى ماذا تبلغ قدرتهم؟ ثم هم في قبضة الله تعالى يصرفهم كيف يشاءآ، وإلى ما يشاءآ، فاعقلي أيتها النفس ولا تضيعي طاعتك العزيزة بهم ، ولا يفوتك ثناء من ثناؤه كل فخر ، وعطاء من عطاؤه كل ذخر ، ولقد صدق القائل: (من الكامل] سهر العيون لغير وجهك باطل وبكاؤهن لغير قطعك ضائع 252

Page 252