[مُقَدِّمَة مُخْتَصَر خَلِيل]
يَقُولُ الْفَقِيرُ الْمُضْطَرُّ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ، الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى:
ــ
[منح الجليل]
يَقُولُ) أَصْلُهُ بِسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الْوَاوِ فَنُقِلَ إلَى الْقَافِ لِثِقَلِهِ عَلَى الْوَاوِ لِمُلَازَمَتِهِ فِي فَعَلَ وَلَمْ يَثْقُلْ عَلَيْهَا فِي نَحْوِ هَذَا وَلَوْ لِعَدَمِ مُلَازَمَتِهِ وَكَوْنِهِ فِي اسْمٍ.
(الْفَقِيرُ) وَزْنُهُ فَعِيلُ مِنْ الْفَقْرِ أَيْ الْحَاجَةِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ أَيْ دَائِمُ الْحَاجَةِ، أَوْ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ أَيْ كَثِيرُهَا، وَالْأَوَّلُ مُلَازِمٌ لِلْعَبْدِ وَمُسْتَلْزِمٌ لِلثَّانِي فَهُوَ الْأَوْلَى، وَفِي نُسْخَةٍ الْعَبْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ عَبْدُ الْإِيجَادِ أَيْ الْمَخْلُوقُ، أَوْ عَبْدُ الْعُبُودِيَّةِ أَيْ الْعَابِدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ " الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ " لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النجم: ٣٢] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١] وَقَالَ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ ﷺ «سُبْحَانَكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ» .
(الْمُضْطَرُّ) يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ اسْمَ فَاعِلٍ أَيْ: شَدِيدُ الِاحْتِيَاجِ وَكَوْنُهُ اسْمَ مَفْعُولٍ أَيْ الْمُلْجَأُ الَّذِي أَلْجَأَتْهُ شِدَّةُ احْتِيَاجِهِ لِزَوَالِ الْحَرَكَةِ الْفَارِقَةِ بَيْنَهُمَا بِالْإِدْغَامِ وَأَصْلُهُ بِتَاءٍ عَقِبَ الضَّادِ وَفَكِّ الرَّاءِ مِنْ الرَّاءِ فَخُفِّفَ بِإِبْدَالِهَا طَاءً مُهْمَلَةً، وَإِبْدَالِ الضَّادِ طَاءً أَيْضًا، وَإِدْغَامِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ، وَإِدْغَامِ الرَّاءِ فِي الرَّاءِ أَيْضًا.
(لِرَحْمَةِ) أَيْ إلَى إنْعَامِ (رَبِّهِ) أَيْ مَالِكِهِ وَمُرَبِّيهِ (الْمُنْكَسِرُ) أَصْلُهُ اسْمُ فَاعِلِ " انْكَسَرَ "، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْحَزِينُ (خَاطِرُهُ) أَصْلُهُ مَا وَرَدَ عَلَى الْقَلْبِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْقَلْبُ لِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ لِاجْتِمَاعِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْمُنْكَسِرُ، وَالْمُشَبَّهِ وَهُوَ الْخَاطِرُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْقَلْبِ عَلَى وَجْهٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّشْبِيهِ وَهُوَ إسْنَادُ الْمُنْكَسِرِ لِلْخَاطِرِ وَهَذَا مَانِعٌ مِنْهَا بِإِجْمَاعِ الْبَيَانِيِّينَ، وَالِانْكِسَارُ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ الْيَابِسِ كَحَجَرٍ، وَالِانْقِطَاعُ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ اللَّيِّنِ كَلَحْمٍ.
(لِقِلَّةِ الْعَمَلِ) أَيْ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى قِلَّتِهِ انْكِسَارُ الْقَلْبِ (وَالتَّقْوَى) أَيْ اتِّقَاءِ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، فَعَطْفُهَا عَلَى الْعَمَلِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَإِنْ خُصَّتْ بِالِاجْتِنَابِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْعَمَلِ قَبْلَهَا فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايَرَةِ
1 / 12