[مُقَدِّمَة مُخْتَصَر خَلِيل]
يَقُولُ الْفَقِيرُ الْمُضْطَرُّ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ، الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى:
ــ
[منح الجليل]
يَقُولُ) أَصْلُهُ بِسُكُونِ الْقَافِ وَضَمِّ الْوَاوِ فَنُقِلَ إلَى الْقَافِ لِثِقَلِهِ عَلَى الْوَاوِ لِمُلَازَمَتِهِ فِي فَعَلَ وَلَمْ يَثْقُلْ عَلَيْهَا فِي نَحْوِ هَذَا وَلَوْ لِعَدَمِ مُلَازَمَتِهِ وَكَوْنِهِ فِي اسْمٍ.
(الْفَقِيرُ) وَزْنُهُ فَعِيلُ مِنْ الْفَقْرِ أَيْ الْحَاجَةِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ أَيْ دَائِمُ الْحَاجَةِ، أَوْ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ أَيْ كَثِيرُهَا، وَالْأَوَّلُ مُلَازِمٌ لِلْعَبْدِ وَمُسْتَلْزِمٌ لِلثَّانِي فَهُوَ الْأَوْلَى، وَفِي نُسْخَةٍ الْعَبْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ عَبْدُ الْإِيجَادِ أَيْ الْمَخْلُوقُ، أَوْ عَبْدُ الْعُبُودِيَّةِ أَيْ الْعَابِدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ بَعْدُ " الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ " لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النجم: ٣٢] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١] وَقَالَ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ أَجْمَعِينَ ﷺ «سُبْحَانَكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ» .
(الْمُضْطَرُّ) يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ اسْمَ فَاعِلٍ أَيْ: شَدِيدُ الِاحْتِيَاجِ وَكَوْنُهُ اسْمَ مَفْعُولٍ أَيْ الْمُلْجَأُ الَّذِي أَلْجَأَتْهُ شِدَّةُ احْتِيَاجِهِ لِزَوَالِ الْحَرَكَةِ الْفَارِقَةِ بَيْنَهُمَا بِالْإِدْغَامِ وَأَصْلُهُ بِتَاءٍ عَقِبَ الضَّادِ وَفَكِّ الرَّاءِ مِنْ الرَّاءِ فَخُفِّفَ بِإِبْدَالِهَا طَاءً مُهْمَلَةً، وَإِبْدَالِ الضَّادِ طَاءً أَيْضًا، وَإِدْغَامِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ، وَإِدْغَامِ الرَّاءِ فِي الرَّاءِ أَيْضًا.
(لِرَحْمَةِ) أَيْ إلَى إنْعَامِ (رَبِّهِ) أَيْ مَالِكِهِ وَمُرَبِّيهِ (الْمُنْكَسِرُ) أَصْلُهُ اسْمُ فَاعِلِ " انْكَسَرَ "، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْحَزِينُ (خَاطِرُهُ) أَصْلُهُ مَا وَرَدَ عَلَى الْقَلْبِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْقَلْبُ لِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسْتِعَارَةٌ لِاجْتِمَاعِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْمُنْكَسِرُ، وَالْمُشَبَّهِ وَهُوَ الْخَاطِرُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْقَلْبِ عَلَى وَجْهٍ يُنْبِئُ عَنْ التَّشْبِيهِ وَهُوَ إسْنَادُ الْمُنْكَسِرِ لِلْخَاطِرِ وَهَذَا مَانِعٌ مِنْهَا بِإِجْمَاعِ الْبَيَانِيِّينَ، وَالِانْكِسَارُ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ الْيَابِسِ كَحَجَرٍ، وَالِانْقِطَاعُ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ اللَّيِّنِ كَلَحْمٍ.
(لِقِلَّةِ الْعَمَلِ) أَيْ الصَّالِحِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى قِلَّتِهِ انْكِسَارُ الْقَلْبِ (وَالتَّقْوَى) أَيْ اتِّقَاءِ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ الْمَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ، فَعَطْفُهَا عَلَى الْعَمَلِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَإِنْ خُصَّتْ بِالِاجْتِنَابِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْعَمَلِ قَبْلَهَا فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْمُغَايَرَةِ
1 / 12
خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيُّ: الْحَمْدُ لِلَّهِ
ــ
[منح الجليل]
وَهَذَا شَأْنُ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ مِنْ نِسْبَةِ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنْفُسِهِمْ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: ٣٢]، وَتَأَسِّيًا بِأَشْرَفِ الْمَخْلُوقِينَ ﷺ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَكَ «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» .
(خَلِيلُ) أَصْلُهُ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مِنْ الْخُلَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ اللَّامِ أَيْ صَفَاءِ الْمَوَدَّةِ، ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَهُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْهَا (ابْنُ إِسْحَاقَ) نَعْتُ " خَلِيلُ " لِتَأَوُّلِهِ بِالْمَنْسُوبِ بِالْبُنُوَّةِ لِإِسْحَاقَ (الْمَالِكِيُّ) أَيْ الْمَنْسُوبُ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِتَعَبُّدِهِ عَلَى مَذْهَبِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِهِ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا نَعْتٌ ثَانٍ لِخَلِيلٍ لَا لِإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ حَنَفِيٌّ. وَشُغِلَ خَلِيلٌ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ " ﵁ " لِمَحَبَّتِهِ فِي شَيْخَيْهِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَنُوفِيِّ وَسَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ قِيلَ: مَكَثَ الْمُصَنِّفُ فِي تَأْلِيفِ الْمُخْتَصَرِ عِشْرِينَ سَنَةً وَبَيَّضَهُ إلَى النِّكَاحِ، وَوُجِدَ بَاقِيهِ فِي أَوَرَاقِ مُسَوَّدَةٍ فَجَمَعَهُ أَصْحَابُهُ وَأَلَّفَ بَهْرَامُ بَابَ الْمُقَاصَّةِ مِنْهُ وَكَمَّلَ الْأَقْفَهْسِيُّ جُمْلَةً يَسِيرَةً تَرَكَ الْمُصَنِّفُ لَهُمَا بَيَاضًا.
وَأَلَّفَ الْمُصَنِّفُ شَرْحَهُ التَّوْضِيحَ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْفِقْهِيِّ قِيلَ وَبِهِ عُرِفَ فَضْلُهُ وَمَكَثَ بِمِصْرَ عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يَرَ النِّيلَ وَكَانَ يَلْبَسُ لُبْسَ الْجُنْدِ الْمُتَقَشِّفِينَ وَسَمَّى نَفْسَهُ فِي مَبْدَأِ كِتَابِهِ لِلتَّرْغِيبِ فِيهِ، وَالْوُثُوقِ بِهِ كَمَا هِيَ عَادَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ نُصْحًا لِلْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِهَذَا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فَفِي الْبَيَانِ لِابْنِ رُشْدٍ أَوَّلَ كُلِّ مَسْأَلَةٍ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ: بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَحْصِيلُهَا كَذَا، وَكَذَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي تَأْلِيفِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ عِيَاضٌ: الْحُكْمُ كَذَا.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) مَفْعُولُ " يَقُولُ " وَكَذَا مَا بَعْدَهُ إلَى قَوْلِهِ فَلَا إشْكَالَ، وَهَلْ مَحَلُّ النَّصْبِ لِلْمَجْمُوعِ وَلِكُلِّ جُمْلَةٍ؟ خِلَافٌ، وَالْحَمْدُ لُغَةً الْوَصْفُ بِجَمِيلٍ لِأَجْلِ اتِّصَافِ الْمَوْصُوفِ بِوَصْفٍ جَمِيلٍ غَيْرِ طَبِيعِيٍّ إنْعَامًا كَانَ، أَوْ غَيْرَهُ مَعَ قَصْدِ الْوَاصِفِ تَعْظِيمَ الْمَوْصُوفِ وَعُرْفًا أَمْرٌ دَالٌّ عَلَى تَعْظِيمِ مُنْعِمٍ وَهَذَا هُوَ الشُّكْرُ لُغَةً.
1 / 13
حَمْدًا يُوَافِي مَا تَزَايَدَ مِنْ النِّعَمِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا مِنْ الْفَضْلِ
ــ
[منح الجليل]
(حَمْدًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لِنَوْعِ عَامِلِهِ بِنَعْتِهِ بِجُمْلَةِ يُوَافِي إلَخْ وَعَامِلُهُ مُقَدَّرٌ أَيْ أَحْمَدُهُ لَا الْحَمْدُ الْمَذْكُورُ لِفَصْلِهِ مِنْهُ بِالْخَبَرِ الْأَجْنَبِيِّ بِجِهَةِ الْمَصْدَرِيَّةِ الَّتِي كَانَ يُعْمَلُ بِهَا فِي " حَمْدًا "، وَإِنْ كَانَ مَعْمُولًا لَهُ مِنْ جِهَةِ الِابْتِدَائِيَّةِ الَّتِي رُفِعَ الْخَبَرُ بِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْحَمْدِ جِهَتَيْنِ مَصْدَرَانِيَّةً وَبِهَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ وَلَا يُرْفَعُ الْخَبَرُ وَابْتِدَائِيَّةً وَبِهَا يُرْفَعُ الْخَبَرُ وَلَا يُنْصَبُ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ وَهَلْ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ كَاخْتِلَافِ الذَّاتِ وَعَلَيْهِ فَالْخَبَرُ أَجْنَبِيٌّ مَانِعٌ مِنْ نَصْبِ " حَمْدًا "، أَوْ لَيْسَ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ كَاخْتِلَافِ الذَّاتِ وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ الْخَبَرُ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَمْنَعُ مِنْ نَصْبِ " حَمْدًا "، وَهُوَ الْحَقُّ؟ .
(يُوَافِي) أَيْ يَفِي الْحَمْدَ (مَا تَزَايَدَ) أَيْ زَادَ فَصِيغَةُ الْمُفَاعَلَةِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي حُصُولِ الْفِعْلِ مِنْ فَاعِلٍ وَاحِدٍ وَعَبَّرَ بِهَا لِإِفَادَتِهَا الْمُبَالَغَةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الْمُغَالَاةِ.
(مِنْ النِّعَمِ) جَمْعُ نِعْمَةٍ بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ أَنْعَامٍ، أَوْ مُنْعَمٍ بِهِ، بَيَانٌ لِمَا فَكُلُّ نِعْمَةٍ تَتَجَدَّدُ فَالْحَمْدُ يُقَابِلُهَا فَإِنْ قُلْت حَمْدُ الْمُصَنِّفِ جُزْئِيٌّ وَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لَهَا فَكَيْفَ يُقَابِلُهَا وَلَا تَزِيدُ عَلَيْهِ قُلْت: الْمُرَادُ أَنَّهُ يُقَابِلُهَا بِمُلَاحَظَةِ الْمَحْمُودِيَّةِ وَهِيَ صِفَاتُ اللَّهِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَالْمَعْنَى: أُثْنِي عَلَيْهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَأَجْعَلُ الثَّنَاءَ بِكُلِّ صِفَةٍ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ فَيَزِيدُ الْحَمْدُ عَلَى النِّعَمِ؛ لِأَنَّهَا مَحْصُورَةٌ وَالصِّفَاتُ لَيْسَتْ مَحْصُورَةً، أَوْ يُقَالُ الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ وَجَرَى عَلَى طَرِيقِ التَّخَيُّلِ لَا التَّحَقُّقِ. (تَنْبِيهٌ):
الْحَقُّ قَوْلُ الْبَاقِلَّانِيِّ وَالرَّازِيِّ إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى نِعَمًا عَلَى الْكَافِرِ يَجِبُ شُكْرُهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠] وَيُؤَيِّدُهُ خِطَابُهُ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ " ﵁ " لَا نِعْمَةَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كَافِرٍ فَبِالنَّظَرِ لِلْحَقِيقَةِ، وَالْعَاقِبَةِ لَا لِلصُّورَةِ الرَّاهِنَةِ حَتَّى قِيلَ: إنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ بَلْ مِمَّا لَا يَضُرُّ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ هُوَ فِي نِعْمَةٍ فِي الْآخِرَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَا مِنْ عَذَابٍ إلَّا وَفِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ هَذَا التَّعْبِيرُ لِمُصَادَمَةِ الْوَارِدِ أَفَادَهُ فِي الْإِكْلِيلِ.
(وَالشُّكْرُ) لُغَةً الْحَمْدُ عُرْفًا وَاصْطِلَاحًا صَرْفُ جَمِيعِ النِّعَمِ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ مِنْ وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَمُبَاحٍ (لَهُ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى (عَلَى مَا) أَيْ النِّعَمِ الَّتِي (أَوْلَانَا) أَيْ أَعْطَانَا اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهَا لِصِلَةٍ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَوْصُولِهَا وَلَمْ يَبْرُزْ ضَمِيرُهَا لِأَمْنِ اللَّبْسِ، وَقَوْلُهُ (مِنْ الْفَضْلِ)
1 / 14
وَالْكَرَمِ: لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ وَالْإِعَانَةَ
ــ
[منح الجليل]
بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَصْلُهُ مَصْدَرُ فَضُلَ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا اسْمُ الْمَفْعُولِ لِعَلَاقَةِ الِاشْتِقَاقِ أَيْ الْمُتَفَضَّلِ بِهِ.
(وَالْكَرَمِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالرَّاءِ أَصْلُهُ مَصْدَرُ " كَرُمَ " بِضَمِّ الرَّاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُتَكَرَّمُ بِهِ لِذَلِكَ بَيَانٌ لِمَا وَلَمَّا أَوْهَمَ قَوْلُهُ يُوَافِي إلَخْ إحْصَاءَهُ الثَّنَاءَ عَلَى النِّعَمِ، وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ هِيَ لَا تُحْصَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨] رَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (لَا أُحْصِي) أَيْ لَا أَضْبِطُ (ثَنَاءً) أَيْ وَصْفًا بِجَمِيلٍ (عَلَيْهِ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى.
(هُوَ) أَيْ اللَّهُ تَعَالَى تَوْكِيدٌ لِهَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ مُبْتَدَأٌ أَيْ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ الثَّنَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ تَعَالَى (كَمَا) الْكَافُ زَائِدٌ وَمَا مَوْصُولٌ اسْمِيٌّ خَبَرُ هُوَ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ أَيْ اللَّهُ الَّذِي
(أَثْنَى) أَوْ الثَّنَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الثَّنَاءُ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ حَرْفِيٌّ، وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ صِلَتِهِ مُؤَوَّلٌ بِاسْمِ فَاعِلٍ خَبَرُ " هُوَ: عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ أَيْ اللَّهُ مُثْنٍ عَلَى نَفْسِهِ الثَّنَاءَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ، أَوْ خَبَرٌ بِلَا تَأْوِيلٍ عَلَى الثَّانِي أَيْ الثَّنَاءُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ الْكَافُ أَصْلِيٌّ وَ" مَا " مَوْصُولٌ اسْمِيٌّ، أَوْ حَرْفِيٌّ وَالْجَارُ، وَالْمَجْرُورُ صِفَةُ ثَنَاءٍ أَيْ كَالثَّنَاءِ الَّذِي أَثْنَاهُ، أَوْ كَثَنَائِهِ (عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِطْلَاقُ لَفْظِ النَّفْسِ عَلَيْهِ تَعَالَى بِلَا مُشَاكَلَةٍ وَرَدَ فِي آيَةِ ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام: ٥٤] وَحَدِيثِ «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك» وَدَعْوَى الْمُشَاكَلَةِ فِيهِمَا بَعِيدَةٌ
(وَنَسْأَلُهُ) أَيْ اللَّهَ تَعَالَى (اللُّطْفَ) أَيْ الرِّفْقَ وَالرَّأْفَةَ (وَالْإِعَانَةَ) أَيْ خَلْقَ فِعْلِ الطَّاعَاتِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَنْهِيَّاتِ وَكَسْبِهِمَا هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْإِعَانَةِ الْمُشَارَكَةَ فِي الْفِعْلِ لِتَسْهِيلِهِ فَشَبَّهَ حُصُولَ الْفِعْلِ بَيْنَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقًا، وَإِيجَادًا وَقُدْرَةِ الْعَبْدِ كَسْبًا وَاخْتِيَارًا بِوُقُوعِهِ بَيْنَ قُدْرَتَيْنِ مُؤَثِّرَتَيْنِ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا بِجَامِعِ مُطْلَقِ وُقُوعِهِ بَيْنَ قُدْرَتَيْنِ وَتُنُوسِيَ التَّشْبِيهُ وَادُّعِيَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ دَاخِلٌ فِي جِنْسِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَاسْتُعِيرَ لَفْظُ الْإِعَانَةِ مِنْ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ اسْتِعَارَةً تَصْرِيحِيَّةً أَصْلِيَّةً.
1 / 15
فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَحَالِ حُلُولِ الْإِنْسَانِ فِي رَمْسِهِ.
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ
ــ
[منح الجليل]
فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ) تَنَازَعَ فِيهِ اللُّطْفُ، وَالْإِعَانَةُ فَأُعْمِلَ الثَّانِي فِي لَفْظِهِ لِقُرْبِهِ وَالْأَوَّلُ فِي ضَمِيرِهِ وَحُذِفَ؛ لِأَنَّهُ فَضْلُهُ (وَ) فِي (حَالِ حُلُولِ) أَصْلُهُ النُّزُولُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُكْثُ لِعَلَاقَةِ السَّبَبِيَّةِ لِاحْتِيَاجِ (الْإِنْسَانِ) لَهُمَا مَا دَامَ فِي قَبْرِهِ، يُحْتَمَلُ إرَادَةُ الْمُصَنِّفِ بِالْإِنْسَانِ نَفْسَهُ فَأَلْ لِلْعَهْدِ وَيُحْتَمَلُ إرَادَتُهُ بِهِ كُلَّ مُؤْمِنٍ فَهِيَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَهَذَا أَوْلَى لِرَجَاءِ الْإِجَابَةِ.
(فِي رَمْسِهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ، وَإِهْمَالِ السِّينِ: أَصْلُهُ الطَّرْحُ وَالرَّمْيُ نُقِلَ لِلْمَرْمُوسِ لِعَلَاقَةِ الِاشْتِقَاقِ وَنُقِلَ مِنْهُ لِلْمَرْمُوسِ فِيهِ وَهُوَ الْقَبْرُ لِعَلَاقَةِ الْحَالِيَّةِ فَفِيهِ مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ وَذَكَرَ هَذِهِ الْحَالَةَ مَعَ دُخُولِهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ لِشِدَّةِ احْتِيَاجِ الْإِنْسَانِ فِيهَا لِلُّطْفِ، وَالْإِعَانَةِ فَإِنَّهَا الْمَنْزِلَةُ الْأُولَى مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَالرِّحْلَةُ الْأُولَى صَعْبَةٌ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ فِي الْآخِرَةِ. وَلَمَّا كَانَ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ ﷺ هُوَ الْوَاسِطَةَ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ عِبَادِهِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْهِمْ وَلَا سِيَّمَا الْإِسْلَامُ وَشَرِيعَتُهُ ﷺ تَأَكَّدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ صَنَعَ مَعَكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ» فَلِذَا قَالَ.
(وَالصَّلَاةُ) أَيْ الرَّحْمَةُ الْمَقْرُونَةُ بِالتَّعْظِيمِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَا لَا يُدْعَى بِهَا لِغَيْرِ مَعْصُومٍ أَيْ يُكْرَهُ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَقِيلَ: خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالدُّعَاءُ بِاسْتِغْفَارٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفَسَّرَهَا ابْنُ هِشَامٍ بِالْعَطْفِ مُطْلَقًا وَفَسَّرَ عَطْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَعَطْفَ غَيْرِهِ بِدُعَائِهِ فَهِيَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى هَذَا كَإِنْسَانٍ وَاللَّفْظِيِّ عَلَى الْأَوَّلِ كَعَيْنٍ.
(وَالسَّلَامُ) أَيْ التَّحِيَّةُ وَالتَّأْمِينُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (عَلَى مُحَمَّدٍ) أَصْلُهُ اسْمُ مَفْعُولِ " حَمَّدَ " بِفَتَحَاتٍ مُشَدَّدَ الْمِيمِ لِلتَّكْثِيرِ أَيْ الْمَحْمُودِ كَثِيرًا، أَوْ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ الْمُوَفَّقِ لِلْحَمْدِ سَمَّى بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ابْنَ ابْنِهِ تَفَاؤُلًا بِذَلِكَ لَهُ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ تَعَالَى رَجَاءَهُ وَجَعَلَهُ أَعْظَمَ الْحَامِدِينَ، وَالْمَحْمُودِينَ فَهُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ اسْمِ مَفْعُولٍ.
1 / 16
سَيِّدِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الْمَبْعُوثِ لِسَائِرِ الْأُمَمِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ
ــ
[منح الجليل]
سَيِّدِ) أَيْ شَرِيفٍ كَامِلٍ وَتَقِيٍّ فَاضِلٍ وَذِي رَأْيٍ شَامِلٍ وَحَلِيمٍ كَرِيمٍ وَفَقِيهٍ عَلِيمٍ وَرَئِيسٍ مُقَدَّمٍ (الْعَرَبِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ، أَوْ ضَمِّ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَنْ يَتَكَلَّمُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ سَجِيَّةً سَوَاءٌ سَكَنَ الْحَاضِرَةَ، أَوْ الْبَادِيَةَ وَالْأَعْرَابُ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ الْمُتَكَلِّمُونَ بِهَا كَذَلِكَ فَهُمْ أَخَصُّ مِنْ الْعَرَبِ وَقِيلَ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ سَوَاءٌ تَكَلَّمُوا بِهَا، أَوْ بِالْعَجَمِيَّةِ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَجْهِيٌّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا قَبْلَ إسْمَاعِيلَ ﵊ وَهُوَ الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ وَمِنْهُمْ عَادٌ وَثَمُودُ وَقَحْطَانُ وَجُرْهُمُ وَأَخَذَ إسْمَاعِيلُ ﷺ الْعَرَبِيَّةَ مِنْ جُرْهُمَ وَسُمِّيَتْ أَوْلَادُهُ الْعَرَبَ الْمُسْتَعْرِبَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " ﵁ " عَنْهُمَا أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْعَرَبِيَّةِ إسْمَاعِيلُ، وَالْمُرَادُ بِهَا عَرَبِيَّةُ قُرَيْشٍ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا.
(وَالْعَجَمِ) أَيْ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِالْعَجَمِيَّةِ سَجِيَّةً وَفِيهِ اللُّغَتَانِ اللَّتَانِ فِي الْعَرَبِ، وَالْأَوْلَى قِرَاءَتُهُمَا بِلُغَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا.
(الْمَبْعُوثِ) اسْمُ مَفْعُولِ " بَعَثَ " أَيْ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى (لِسَائِرِ) مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ بَاقِي مِنْ السُّؤْرِ بِالْهَمْزِ أَيْ الْبَقِيَّةِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَى " جَمِيعِ " مَجَازًا مِنْ السُّورِ بِالْوَاوِ أَيْ الْبِنَاءِ الْمُحِيطِ بِغَيْرِهِ وَكِلَاهُمَا يَصِحُّ هُنَا فَالْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ إرْسَالِهِ ﷺ بِجَسَدِهِ مُبَاشَرَةً لِآخِرِ الْأُمَمِ وَالثَّانِي بِاعْتِبَارِ إرْسَالِهِ ﷺ بِرُوحِهِ وَنِيَابَةِ الْمُرْسَلِينَ السَّابِقِينَ عَنْهُ لِجَمِيعِ (الْأُمَمِ) بِضَمِّ الْهَمْزِ جَمْعُ أُمَّةٍ كَذَلِكَ وَشَدِّ الْمِيمِ أَيْ جَمَاعَةٍ إنْسًا وَمَلَائِكَةً وَجِنًّا وَبَهَائِمَ وَجَمَادَاتٍ إرْسَالَ تَكْلِيفٍ وَتَشْرِيفٍ لِلْإِنْسِ، وَالْجِنِّ وَتَشْرِيفٍ فَقَطْ لِلْمَلَائِكَةِ وَتَأْمِينٍ لِلْبَاقِي.
(وَعَلَى آلِهِ) أَيْ أَهْلِ بَيْتِهِ (وَأَصْحَابِهِ) أَيْ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا بِهِ ﷺ بَعْدَ بَعْثِهِ مُؤْمِنِينَ بِهِ (وَأَزْوَاجِهِ) أَيْ زَوْجَاتِهِ (وَذُرِّيَّتِهِ) أَيْ أَوْلَادِهِ مُبَاشَرَةً وَهُمْ سَبْعَةٌ: ثَلَاثَةُ ذُكُورٍ؛ الْقَاسِمُ، وَإِبْرَاهِيمُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَلُقِّبَ عَبْدُ اللَّهِ بِالطَّيِّبِ وَالطَّاهِرِ وَأَرْبَعُ إنَاثٍ فَاطِمَةُ وَزَيْنَبُ وَرُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَكُلُّهُمْ مِنْ خَدِيجَةَ إلَّا إبْرَاهِيمَ فَمِنْ مَارِيَةَ، أَوْ بِوَاسِطَةٍ وَهُمْ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ وَأَوْلَادُهُمَا كَذَلِكَ إلَى قُرْبِ السَّاعَةِ (وَأُمَّتِهِ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَشَدِّ الْمِيمِ أَيْ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ مِنْ حِينِ بَعْثِهِ إلَى
1 / 17
أَفْضَلِ الْأُمَمِ.
(وَبَعْدُ) فَقَدْ سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ أَبَانَ اللَّهُ لِي وَلَهُمْ مَعَالِمَ
ــ
[منح الجليل]
قُرْبِ الْقِيَامَةِ.
(أَفْضَلِ) اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنْ الْفَضْلِ أَيْ الشَّرَفِ، وَالْعِظَمِ (الْأُمَمِ) أَيْ الْأَتْبَاعِ فَبَيْنَ هَذَا وَالْأُمَمِ السَّابِقَةِ جِنَاسٌ تَامٌّ بِاتِّفَاقِ اللَّفْظَيْنِ وَاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ وَتَفْسِيرُهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ يَلْزَمُهُ تَكْرَارُ الْفَاصِلَةِ وَهُوَ عَيْبٌ فِي السَّجْعِ وَأَفْضَلِيَّةُ أُمَّتِهِ عَلَى بَاقِي الْأُمَمِ لِأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى بَاقِي الْمُرْسَلِينَ؛ إذْ التَّابِعُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ مَتْبُوعِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
(وَبَعْدُ) الْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنْ " أَمَّا " وَ" أَمَّا " نَائِبَةٌ عَنْ " مَهْمَا يَكُنْ " وَ" بَعْدُ " ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْحَرْفِ وَهِيَ الْإِضَافَةُ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَنِيَّةِ الْإِضَافَةِ بِهِ، وَحُرِّكَ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَضُمَّ لِتَكْمُلَ لَهُ الْحَرَكَاتُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ذُكِرَ مَعَهُ الْمُضَافُ إلَيْهِ، أَوْ نُوِيَ لَفْظُهُ يُنْصَبُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَوْ يُجَرُّ بِمِنْ بِلَا تَنْوِينٍ فَإِنْ لَمْ يُنْوَ لَفْظُهُ وَلَا مَعْنَاهُ نُصِبَ عَلَيْهَا، أَوْ جُرَّ بِمِنْ مُنَوَّنًا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ زَمَانِيٌّ بِاعْتِبَارِ النُّطْقِ وَأَنَّهُ مَكَانِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْكِتَابَةِ، وَالْمُخْتَارُ تَعَلُّقُهُ بِجَوَابِ مَهْمَا الَّتِي نَابَتْ عَنْهَا الْوَاوُ بِوَاسِطَةِ نِيَابَتِهَا عَنْ أَمَّا وَالتَّقْدِيرُ مَهْمَا يَكُنْ شَيْءٌ.
(فَ) أَقُولُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ، وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (قَدْ) تَحْقِيقِيَّةٌ (سَأَلَنِي جَمَاعَةٌ) مَالِكِيَّةٌ بِقَرِينَةِ مَا يَأْتِي (أَبَانَ) أَصْلُهُ أَبْيَنَ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ، فَنُقِلَتْ الْفَتْحَةُ إلَى الْمُوَحَّدَةِ وَأُبْدِلَتْ الْيَاءُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا أَصَالَةً وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا الْآنَ وَمَعْنَاهُ: أَظْهَرَ (اللَّهُ) وَهُوَ خَبَرٌ لَفْظًا إنْشَاءٌ مَعْنًى أَيْ اللَّهُمَّ أَظْهِرْ إلَخْ وَعَبَّرَ بِالْخَبَرِ لِقُوَّةِ رَجَائِهِ الْإِجَابَةَ حَتَّى كَأَنَّهَا حَصَلَتْ وَأُخْبِرَ بِهَا.
(لِي) بَدَأَ فِي الدُّعَاءِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهَا السُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ رَسُولِهِ نُوحٍ ﵊ ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [نوح: ٢٨] (وَلَهُمْ) أَيْ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ سَأَلُونِي دَعَا لَهُمْ لِدَلَالَتِهِمْ عَلَى الْخَيْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٢] (مَعَالِمَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مَعْلَمٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ الْعَلَامَةُ الَّتِي يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى نَحْوِ الطَّرِيقِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْأَدِلَّةُ لِتَشْبِيهِهَا بِالْمَعَالِمِ فِي الدَّلَالَةِ بِقَرِينَةِ إضَافَتِهَا إلَى
1 / 18
التَّحْقِيقِ، وَسَلَكَ بِنَا وَبِهِمْ أَنْفَعَ طَرِيقٍ: مُخْتَصَرًا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ
ــ
[منح الجليل]
التَّحْقِيقِ) أَيْ ذِكْرِ الشَّيْءِ عَلَى الْوَجْهِ الْحَقِّ وَيُطْلَقُ عَلَى إثْبَاتِهِ بِدَلِيلٍ أَيْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَبَّهَ التَّحْقِيقَ بِشَيْءٍ لَهُ مَعَالِمُ كَالْحَرَمِ فِي الشَّرَفِ وَتَنَاسَى التَّشْبِيهَ وَأَدْرَجَ الْمُشَبَّهَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ وَاسْتَعَارَ اسْمَهُ لَهُ وَطَوَاهُ وَأَشَارَ لَهُ بِالْمَعَالِمِ عَلَى سَبِيلِ الْمَكْنِيَّةِ وَالتَّخَيُّلِيَّةِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِدْلَال وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ، وَالْمُصَنِّفُ وَالسَّائِلُونَ مُقَلِّدُونَ فَكَيْفَ يَطْلُبُهُ لَهُ وَلَهُمْ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَنْصِبَ الْمُجْتَهِدِ الِاسْتِدْلَال عَلَى ابْتِكَارِ الْأَحْكَامِ وَاَلَّذِي طَلَبَهُ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِدْلَال عَلَى تَقْرِيرِهَا مُحَقَّقَةً.
(وَسَلَكَ) أَيْ ذَهَبَ (بِنَا) أَيْ الْمُصَنِّفِ فَتَفَنَّنَ (وَبِهِمْ) أَيْ السَّائِلِينَ الْبَاءُ فِي الْمَحَلَّيْنِ لِلتَّعْدِيَةِ مُعَاقَبَةً لِلْهَمْزَةِ، وَالْجُمْلَةُ إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى أَيْ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا سَالِكِينَ وَعَبَّرَ بِالْخَبَرِ لِقُوَّةِ رَجَائِهِ الْإِجَابَةَ حَتَّى كَأَنَّهَا حَصَلَتْ وَحَكَاهَا (أَنْفَعَ) اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنْ النَّفْعِ اكْتَسَبَ الظَّرْفِيَّةَ بِإِضَافَتِهِ إلَى (طَرِيقٍ) إضَافَةَ مَا كَانَ صِفَةً لِمَا كَانَ مَوْصُوفًا وَمَفْعُولُ " سَأَلَ " الثَّانِي تَأْلِيفًا (مُخْتَصَرًا) أَيْ قَلِيلَ الْأَلْفَاظِ وَجُمْلَةُ أَبَانَ إلَخْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمَفْعُولَيْنِ.
(عَلَى مَذْهَبِ) مَفْعَلُ صَالِحٌ لِحَدَثِ الذَّهَابِ وَمَكَانِهِ وَزَمَانِهِ نُقِلَ مِنْ الْحَدَثِ لِلْأَحْكَامِ لِوُقُوعِهِ عَلَيْهَا، أَوْ مِنْ مَكَانِهِ لَهَا لِلْمُشَابَهَةِ فِي الْمَكَانِيَّةِ؛ إذْ هِيَ مَكَانٌ لِذَهَابِ الْعَقْلِ، ثُمَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهَا، وَإِضَافَتُهُ إلَى (الْإِمَامِ) أَيْ الْمُقْتَدَى بِهِ لِاسْتِنْبَاطِهِ إيَّاهَا فَالْأَحْكَامُ الْمَنْصُوصَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَيْسَتْ مَذْهَبًا لِإِمَامٍ دُونَ آخَرَ.
(مَالِكِ) أَصْلُهُ اسْمُ فَاعِلِ مَلَكَ سُمِّيَ بِهِ تَفَاؤُلًا بِمِلْكِهِ الْعُلُومَ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ إمَامَ الْأَئِمَّةِ؛ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ لِتَرْبِيَتِهِ إيَّاهُ وَقَوْلِهِ: مَالِكٌ شَيْخِي وَعَنْهُ أَخَذْتُ الْعِلْمَ وَهُوَ الْحُجَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَ رَبِّي وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَخْذِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَالْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ أَثْبَتَ السُّيُوطِيّ أَخْذَهُ عَنْ مَالِكٍ فِي تَزْيِينِ الْمَمَالِكِ بِتَرْجَمَةِ مَالِكٍ قَالَ وَأَلَّفَ الدَّارَقُطْنِيُّ جُزْءًا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَلَا غَرَابَةَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ سِنًّا وَأَقْدَمُ وَفَاةً مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ
1 / 19
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ مُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى
ــ
[منح الجليل]
وَنَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِي.
(ابْنِ أَنَسٍ) بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ غَيْمَانَ بْنِ خُثَيْلٍ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ ذِي أَصْبَحَ بَطْنٍ مِنْ حِمْيَرَ وَعَادَتُهُمْ زِيَادَةُ ذِي فِي اسْمِ الْمَلِكِ فَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ، وَأَبُوهُ أَنَسٌ كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَجَدُّ مَالِكٍ تَابِعِيٌّ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ حَمَلُوا عُثْمَانَ " ﵁ " عَنْهُمْ وَدَفَنُوهُ لَيْلًا بِالْبَقِيعِ وَأَبُوهُ أَبُو عَامِرٍ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْمَغَازِيَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلَّا بَدْرًا.
وَالْإِمَامُ مَالِكٌ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَقِيلَ مِنْ التَّابِعِينَ لِإِدْرَاكِهِ عَائِشَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قِيلَ: صَحَابِيَّةٌ وَالصَّحِيحُ لَا رَوَى الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَلَا يَجِدُونَ أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ «يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ وَرُوِيَ آبَاطَ الْإِبِلِ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَلَا يَجِدُونَ أَفْقَهَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ» .
قَالَ سُفْيَانُ كَانُوا يَرَوْنَهُ مَالِكًا قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: يَعْنِي سُفْيَانُ بِقَوْلِهِ " كَانُوا يَرَوْنَهُ مَالِكًا " التَّابِعِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَيْرِ الْقُرُونِ، وَلَمْ تُشَدَّ الرِّحَالُ لِعَالِمٍ بِهَا كَمَا شُدَّتْ لَهُ حَتَّى يُحْمَلَ عَلَيْهِ، فَمَتَى قَالَ الْأَئِمَّةُ: هَذَا قَوْلُ عَالِمِ الْمَدِينَةِ فَهُوَ مُرَادُهُمْ وَمَا أَفْتَى مَالِكٌ حَتَّى أَجَازَهُ أَرْبَعُونَ مُحَنَّكًا أَيْ إمَامًا وَعَنْهُ جَالَسْت ابْنَ هُرْمُزَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي عِلْمٍ لَمْ أَبُثَّهُ لِأَحَدٍ، وَمَنَاقِبُهُ " ﵁ " كَثِيرَةٌ جِدًّا مُفْرَدَةٌ بِتَآلِيفَ ذَكَرَ الْحَطُّ جُمْلَةً مِنْهَا فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت.
(مُبَيِّنًا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مُشَدَّدَةً نَعْتٌ ثَانٍ لِمُخْتَصَرٍ، أَوْ إسْنَادُ الْبَيَانِ لَهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ (لِمَا) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي تَجِبُ (بِهِ الْفَتْوَى) أَيْ الْإِخْبَارُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِلَا إلْزَامٍ، وَالْقَضَاءُ أَيْ الْإِخْبَارِيَّةُ بِإِلْزَامٍ، وَالْعَمَلُ بِهِ فِي خَاصَّةِ النَّفْسِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي كَثُرَ قَائِلُوهُ وَالرَّاجِحُ الَّذِي قَوِيَ دَلِيلُهُ فَتَحْرُمُ الْفَتْوَى، وَالْقَضَاءُ، وَالْعَمَلُ بِالشَّاذِّ وَالضَّعِيفِ وَيُقَدَّمُ تَقْلِيدُ نَحْوِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ عَلَى الْعَمَلِ بِالشَّاذِّ وَالضَّعِيفِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ قَالَهُ مُتَأَخِّرُو الْمِصْرِيِّينَ وَقَالَ مُتَأَخِّرُو الْمَغَارِبَةِ يُقَدَّمُ الْعَمَلُ بِهِمَا عَلَى التَّقْلِيدِ عِنْدَهُمَا اقْتِصَارًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَتَمَسُّكًا بِهِ مَا أَمْكَنَ، وَفِي تَلْفِيقِ الْعِبَادَةِ، أَوْ الْمُعَامَلَةِ مِنْ مَذْهَبَيْنِ خِلَافٌ نَقَلَ
1 / 20
فَأَجَبْتُ سُؤَالَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ، مُشِيرًا بِ " فِيهَا "
ــ
[منح الجليل]
الْعَدَوِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الصَّغِيرِ جَوَازَهُ وَهِيَ فُسْحَةٌ.
(فَأَجَبْتُ) أَيْ بِالشُّرُوعِ فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ سَابِقَةً عَلَيْهِ وَبِتَتْمِيمِهِ إنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ (سُؤَالَهُمْ) زَادَ لَفْظَ سُؤَالٍ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، وَأَنَّهُ أَتَى بِهِ مُتَّصِفًا بِالصِّفَاتِ الثَّلَاثَةِ؛ الِاخْتِصَارِ، وَكَوْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى.
(بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ) صِلَةُ أَجَبْت أَيْ طَلَبَ مَا هُوَ خَيْرٌ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فِي وَقْتٍ يَحِلُّ النَّفَلُ فِيهِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ بِ: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: ٦٨]، وَالْكَافِرُونَ عَقِبَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى، وَبِ: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦]، وَالْإِخْلَاصِ كَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ. وَالدُّعَاءُ بَعْدَ السَّلَامِ «بِاللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ وَأَرْضِنِي بِهِ فَإِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارَ وَحَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيَمْضِي لِمَا يَنْشَرِحُ صَدْرُهُ إلَيْهِ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ تَرْكٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ لِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَلْيُكَرِّرْهَا إلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ وَيَنْوِي مَا يَسْتَخِيرُ عَلَيْهِ عِنْدَ قَوْلِهِ " هَذَا الْأَمْرَ " وَإِنْ شَاءَ صَرَّحَ بِهِ عَقِبَهُ هَذِهِ كَيْفِيَّةُ الِاسْتِخَارَةِ الَّتِي كَانَ الرَّسُولُ ﷺ يُعَلِّمُهَا لِأَصْحَابِهِ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهِيَ مِنْ الذَّخَائِرِ الَّتِي ادَّخَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَأُمَّتِهِ فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ هَمَّ بِأَمْرٍ تَرْكُهَا.
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ «مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ اسْتِخَارَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ شِقْوَتِهِ تَرْكُهُ الِاسْتِخَارَةَ»، ثُمَّ بَيَّنَ مَعَانِيَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَرَادَ اسْتِعْمَالَهَا فِيمَا يَأْتِي لِيَعْلَمَهَا النَّاظِرُ فِي كِتَابِهِ وَيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي نَظَرِهِ فَقَالَ: (مُشِيرًا) حَالٌ مِنْ تَاءِ " أَجَبْتُ " مَنْوِيَّةً أَيْ نَاوِيًا الْإِشَارَةَ (بِفِيهَا) أَيْ هَذَا اللَّفْظِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ ضَمِيرِ غَيْبَةٍ مُؤَنَّثٍ عَائِدٍ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِفِيهَا عَنْ كُلِّ ذَلِكَ.
1 / 21
لِلْمُدَوَّنَةِ، وَبِ " أُوِّلَ " إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا فِي فَهْمِهَا وَبِ الِاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ لَكِنْ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ شَامِلٌ لِضَمِيرِ نَحْوِ حَمَّلْت وَأَوَّلْت وَقَيَّدْت وَظَاهِرُهَا وَأُقِيمُ مِنْهَا، وَصِلَةُ " مُشِيرًا " (لِلْمُدَوَّنَةِ) أَيْ الْمَسَائِلِ الَّتِي دَوَّنَهَا قَاضِي الْقَيْرَوَانِ أَسَدُ بْنُ الْفُرَاتِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَتُسَمَّى الْأَسَدِيَّةَ وَالْمُخْتَلِطَةَ، وَتَلَطَّفَ سَحْنُونٌ بِابْنِ الْفُرَاتِ حَتَّى أَخَذَهَا مِنْهُ، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى ابْنِ الْقَاسِمِ وَهَذَّبَهَا وَنَقَّحَهَا وَرَتَّبَهَا وَاخْتَصَرَهَا الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُمَا، ثُمَّ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرَادِعِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ، أَوْ الْمُعْجَمَةِ وَسَمَّاهُ التَّهْذِيبَ وَاشْتُهِرَ بِاسْمِ الْمُدَوَّنَةِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِهَا وَاخْتَصَرَهُ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ.
(وَ) مُشِيرًا (بِ أُوِّلَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدًا أَيْ بِمَادَّتِهِ لِيَشْمَلَ " تَأْوِيلَانِ " وَ" تَأْوِيلَاتٌ " وَ" أَوَّلْت " (إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا) أَيْ الْمُدَوَّنَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ شَارِحٍ سَقَطَتْ نُونُهُ لِإِضَافَتِهِ، وَالْمُرَادُ شَارِحُ مَحَلِّ الْخِلَافِ شَرَحَ بَاقِيَهَا أَوْ لَا، وَصِلَةُ اخْتِلَافٍ (فِي فَهْمِهَا) أَيْ الْمُرَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَصْلُ التَّأْوِيلِ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ إبْقَاءَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ، وَتَصِيرُ مَفْهُومَاتُهُمْ مِنْهَا أَقْوَالًا فِي الْمَذْهَبِ يُعْمَلُ وَيُفْتَى وَيُقْضَى بِأَيِّهَا إنْ اسْتَوَتْ، وَإِلَّا فَبِالرَّاجِحِ، أَوْ الْأَرْجَحِ وَسَوَاءٌ وَافَقَتْ أَقْوَالًا سَابِقَةً عَلَيْهَا مَنْصُوصَةً لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ أَمْ لَا وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ. فَإِنْ قِيلَ الْمُدَوَّنَةُ لَيْسَتْ قُرْآنًا وَلَا أَحَادِيثَ صَحِيحَةً فَكَيْفَ تُسْتَنْبَطُ الْأَحْكَامُ مِنْهَا قِيلَ: إنَّهَا كَلَامُ أَئِمَّةٍ مُجْتَهِدِينَ عَالِمِينَ بِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَالْعَرَبِيَّةِ مُبَيِّنِينَ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَمَدْلُولُ كَلَامِهِمْ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَلَّدَهُمْ مَنْطُوقًا كَانَ، أَوْ مَفْهُومًا، صَرِيحًا كَانَ أَوْ إشَارَةً فَكَلَامُهُمْ بِالنِّسْبَةِ لَهُ كَالْقُرْآنِ، وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ.
(وَ) مُشِيرًا (بِالِاخْتِيَارِ) أَيْ مَادَّتِهِ كَانَتْ بِصِيغَةِ اسْمٍ أَوْ فِعْلٍ (لِ) اخْتِيَارِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيٍّ (اللَّخْمِيِّ) لَكِنْ إنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ (بِصِيغَةِ الْفِعْلِ) كَ اخْتَارَ (فَذَلِكَ) أَيْ الِاخْتِيَارُ إشَارَةٌ (لِاخْتِيَارِهِ) أَيْ اللَّخْمِيِّ (هُوَ) تَوْكِيدٌ لِلْهَاءِ (فِي نَفْسِهِ) أَيْ بِاجْتِهَادِهِ وَاسْتِنْبَاطِهِ مِنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ لَا مِنْ أَقْوَالٍ سَابِقَةٍ عَلَيْهِ.
1 / 22
وَبِالِاسْمِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ، وَبِ " التَّرْجِيحِ " لِابْنِ يُونُسَ كَذَلِكَ وَبِ " الظُّهُورِ " لِابْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ وَبِ " الْقَوْلِ " لِلْمَازِرِيِّ كَذَلِكَ
ــ
[منح الجليل]
(وَ) إنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ (بِ) صِيغَةِ (الِاسْمِ) كَالْمُخْتَارِ (فَذَلِكَ) أَيْ الِاخْتِيَارُ إشَارَةٌ (لِاخْتِيَارِهِ) أَيْ اللَّخْمِيِّ ذَلِكَ الْقَوْلَ (مِنْ الْخِلَافِ) الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ الِاخْتِيَارُ بِمَادَّتِهِ، أَوْ التَّصْحِيحِ، أَوْ التَّرْجِيحِ أَوْ الِاسْتِحْسَانِ، أَوْ غَيْرِهَا.
(وَ) مُشِيرًا (بِالتَّرْجِيحِ) أَيْ مَادَّتِهِ بِصِيغَةِ فِعْلٍ، أَوْ اسْمٍ (لِ) تَرْجِيحِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ يُونُسَ) وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْهُ التَّرْجِيحُ بِمَادَّتِهِ أَوْ غَيْرِهَا حَالَ كَوْنِهِ (ذَلِكَ) أَيْ الِاخْتِيَارَ فِي أَنَّهُ كَانَ بِفِعْلٍ فَهُوَ لِتَرْجِيحِهِ فِي نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ بِاسْمٍ فَهُوَ لِتَرْجِيحِهِ مِنْ خِلَافٍ.
(وَ) مُشِيرًا (بِالظُّهُورِ) أَيْ مَادَّتِهِ فِي اسْمٍ، أَوْ فِعْلٍ (لِ) اسْتِظْهَارِ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ (بْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الِاخْتِيَارِ وَالتَّرْجِيحِ فِي أَنَّ الِاسْمَ لِمَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ، وَالْفِعْلَ لِمَا كَانَ مِنْ النَّفْسِ.
(وَ) مُشِيرًا (بِالْقَوْلِ) أَيْ مَادَّتِهِ فِي اسْمٍ، أَوْ فِعْلٍ (لِ) تَرْجِيحِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ (الْمَازِرِيِّ) نِسْبَةً لِمَازَرَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَكَسْرِهَا مَدِينَةٍ بِجَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ تُسَمَّى الْآنَ سَلِيلَةَ قُرْبَ مَالِطَةَ أَعَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِسْلَامِ.
(كَذَلِكَ) الْمُتَقَدِّمِ فِي أَنَّ الْفِعْلَ لِمَا مِنْ النَّفْسِ وَالِاسْمَ لِمَا مِنْ خِلَافٍ وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى التَّجَدُّدِ فَنَاسَبَ مَا كَانَ مِنْ النَّفْسِ، وَالِاسْمَ هُنَا مُرَادٌ مِنْهُ الدَّوَامُ فَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ فَنَاسَبَ مَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ قَدِيمٍ وَلَمْ يُرَتِّبْ الْمُصَنِّفُ الْأَشْيَاخَ عَلَى حَسَبِ تَرَتُّبِهِمْ فِي الْوُجُودِ؛ إذْ أَوَّلُهُمْ فِيهِ ابْنُ يُونُسَ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ، وَإِحْدَى وَخَمْسِينَ، ثُمَّ اللَّخْمِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ ابْنُ رُشْدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ الْمَازِرِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسِمِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ وَخَصَّهُمْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا اتَّفَقَ لَهُمْ فِي تَحْرِيرِ الْمَذْهَبِ.
1 / 23
وَحَيْثُ قُلْت " خِلَافٌ " فَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّشْهِيرِ، وَحَيْثُ ذَكَرْتُ قَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالًا فَذَلِكَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِي فِي الْفَرْعِ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ.
ــ
[منح الجليل]
وَخَصَّ ابْنَ يُونُسَ بِالتَّرْجِيحِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ اجْتِهَادِهِ فِي تَرْجِيحِ بَعْضِ أَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَاخْتِيَارُهُ مِنْ نَفْسِهِ قَلِيلٌ وَاللَّخْمِيَّ بِالِاخْتِيَارِ لِكَثْرَتِهِ مِنْهُ وَابْنَ رُشْدٍ بِالظُّهُورِ لِقَوْلِهِ كَثِيرًا: ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ كَذَا وَظَاهِرُ سَمَاعِ فُلَانٍ كَذَا، وَالْمَازِرِيَّ بِالْقَوْلِ لِقُوَّةِ عَارِضَتِهِ فِي الْعُلُومِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى صَارَ صَاحِبَ قَوْلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ.
(وَحَيْثُ) ظَرْفُ زَمَانٍ، أَوْ مَكَان مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ فِي مَحَلِّ رَفْعِ مُبْتَدَأٍ أَيْ وَكُلُّ وَقْتٍ، أَوْ مَكَان (قُلْتُ) فِيهِ (خِلَافٌ) أَيْ هَذَا اللَّفْظَ، وَرَفَعَهُ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ يَنْصِبُ الْمُفْرَدَ الْمُرَادَ مِنْهُ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشِرْ بِهِ إلَّا مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ، وَخَبَرِهِ مَذْكُورًا وَمَحْذُوفًا فَقَصَدَ حِكَايَتَهُ هُنَا.
(فَذَلِكَ) أَيْ لَفْظُ خِلَافٍ إشَارَةٌ (لِلِاخْتِلَافِ) بَيْنَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (فِي التَّشْهِيرِ) لِتِلْكَ الْأَقْوَالِ الَّتِي فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ تَسَاوِي الْمُخْتَلِفِينَ فِي التَّشْهِيرِ فِي الرُّتْبَةِ وَسَوَاءٌ شَهَّرُوا بِمَادَّةِ التَّشْهِيرِ، أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْمُرَجِّحُونَ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَقْوَى عُلِمَ هَذَا مِنْ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ غَالِبًا وَقَدْ يُصَدِّرُ بِالْأَقْوَى وَيَذْكُرُ بَعْدَهُ غَيْرَهُ كَقَوْلِهِ الذَّكَاةُ قَطْعُ مُمَيِّزٍ تَمَامَ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ، ثُمَّ قَالَ وَشُهِّرَ أَيْضًا الِاكْتِفَاءُ بِنِصْفِ الْحُلْقُومِ، وَالْوَدَجَيْنِ.
(وَحَيْثُ) أَيْ وَكُلَّ زَمَانٍ أَوْ مَكَان (ذَكَرْتُ) فِيهِ (قَوْلَيْنِ وَأَقْوَالًا) بِمَادَّةِ الْقَوْلِ، أَوْ غَيْرِهَا نَحْوُ هَلْ كَذَا، أَوْ كَذَا؟ قَوْلَانِ أَوْ أَقْوَالٌ وَنَحْوُ هَلْ كَذَا؟ ثَالِثُهَا كَذَا وَرَابِعُهَا كَذَا. (فَذَلِكَ) أَيْ ذِكْرُ الْقَوْلَيْنِ، وَالْأَقْوَالِ إشَارَةٌ (لِعَدَمِ اطِّلَاعِي فِي الْفَرْعِ) أَيْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُتَعَلِّقِ بِعَمَلٍ قَلْبِيٍّ كَالنِّيَّةِ، أَوْ غَيْرِهِ كَالطَّهَارَةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَصِلَةُ اطِّلَاعٍ (عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ) لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ يَاؤُهُ لِلْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ كَوْنُ بَعْضِ الْأَقْوَالِ رَاجِحًا عَلَى
1 / 24
وَأَعْتَبِرُ مِنْ الْمَفَاهِيمِ مَفْهُومَ الشَّرْطِ فَقَطْ
ــ
[منح الجليل]
غَيْرِهِ بِأَنْ اسْتَوَتْ فِي عَدَمِ التَّرْجِيحِ فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ فَإِنْ اسْتَوَتْ فِي التَّرْجِيحِ عَبَّرَ عَنْهَا بِخِلَافٍ، وَإِنْ انْفَرَدَ بَعْضُهَا بِهِ، أَوْ زَادَ فِيهِ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ غَالِبًا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ مُبَيِّنًا لِمَا بِهِ الْفَتْوَى، وَقَوْلُهُ وَحَيْثُ قُلْت خِلَافٌ إلَخْ
(وَأَعْتَبِرُ) أَيْ أُنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمَنْطُوقِ (مِنْ الْمَفَاهِيمِ) جَمْعُ مَفْهُومٍ أَيْ مَعْنًى دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، صِلَةُ أَعْتَبِرُ (مَفْهُومَ الشَّرْطِ)، أَوْ حَالٌ مِنْهُ فِي انْصِرَافِ الْقُيُودِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا إلَيْهِ (فَقَطْ) أَيْ لَا مَفْهُومَ الصِّفَةِ، وَالْعِلَّةِ وَظَرْفِ الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ وَالْعَدَدِ وَاللَّقَبِ. وَيَعْتَبِرُ مَفْهُومَ الْحَصْرِ وَالْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ بِالْأَوْلَى لِلْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ الْمَنْطُوقِ أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظٌ مَنْطُوقٌ بِهِ فَالْحَصْرُ إضَافِيٌّ، وَالْمَفْهُومُ قِسْمَانِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْمَنْطُوقِ بِالْأَوْلَى كَتَحْرِيمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء: ٢٣] وَيُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ أَوْ بِالْمُسَاوَاةِ كَتَحْرِيمِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ [النساء: ١٠] الْآيَةَ، وَيُسَمَّى لَحْنَ الْخِطَابِ.
وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ وَهُوَ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ: مَفْهُومُ الْحَصْرِ بِالنَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَوْ، بِإِنَّمَا نَحْوُ ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [الكهف: ١١٠]، وَمَفْهُومُ الْغَايَةِ نَحْوُ ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، وَمَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ نَحْوُ ﴿إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [العصر: ٢ - ٣]، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ نَحْوُ ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [محمد: ٧]، وَمَفْهُومُ الصِّفَةِ نَحْوُ ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦]، وَمَفْهُومُ الصِّلَةِ نَحْوُ ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ﴾ [الفتح: ٢]، وَمَفْهُومُ الزَّمَانِ نَحْوُ ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ [الإسراء: ٧٨]، وَالْمَكَانِ نَحْوُ ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ﴾ [البقرة: ١٩٨]، وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ نَحْوَ ﴿ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤]، وَمَفْهُومُ اللَّقَبِ أَيْ الِاسْمِ الْجَامِدِ نَحْوُ ﴿أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾ [نوح: ١]، وَكُلُّهَا حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إلَّا هَذَا فَاحْتَجَّ بِهِ الدَّقَّاقُ الشَّافِعِيُّ وَابْن خُوَيْزِ مَنْدَادٍ الْمَالِكِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَجَمَعَ ابْنُ غَازِيٍّ أَنْوَاعَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي بَيْتٍ فَقَالَ:
صِفْ وَاشْتَرِطْ عَلِّلْ وَلَقِّبْ ثُنْيَا ... وَعُدَّ ظَرْفَيْنِ وَحَصْرٌ أُغْيَا
قَوْلُهُ ثُنْيَا أَيْ اسْتِثْنَاءٌ، وَقَوْلُ أُغْيَا أَيْ غَايَةٌ.
1 / 25
وَأُشِيرُ بِ " صُحِّحَ " أَوْ " اُسْتُحْسِنَ " إلَى أَنَّ شَيْخًا غَيْرَ الَّذِينَ قَدَّمْتُهُمْ صَحَّحَ هَذَا أَوْ اسْتَظْهَرَهُ وَبِ " التَّرَدُّدِ " لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ
ــ
[منح الجليل]
وَأُشِيرُ) بِضَمِّ الْهَمْزِ (بِ صُحِّحَ وَاسْتُحْسِنَ) مَبْنِيَّيْنِ لِلْمَجْهُولِ (إلَى أَنَّ شَيْخًا) مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ الصَّادِقِ بِنَفْسِ الْمُصَنِّفِ خَلِيلٍ فَقَدْ يُشِيرُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِهَذَا إلَى تَصْحِيحِ وَاسْتِحْسَانِ نَفْسِهِ فِي تَوْضِيحِهِ (غَيْرَ) الْأَرْبَعَةِ (الَّذِينَ قَدَّمْتهمْ) فِي قَوْلِي وَبِالِاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ إلَخْ كَابْنِ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنِ الْحَاجِبِ.
(صَحَّحَ هَذَا) أَيْ الْحُكْمَ الْمَقْرُونَ بِ صُحِّحَ أَوْ اُسْتُحْسِنَ مِنْ الْخِلَافِ (أَوْ اسْتَظْهَرَهُ) مِنْ نَفْسِهِ يُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِ صُحِّحَ لِمَا كَانَ مِنْ خِلَافٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الْمُصَحَّحِ وَبِ اُسْتُحْسِنَ لِمَا كَانَ مِنْ نَفْسِهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِكُلٍّ لِكُلٍّ.
(وَ) أُشِيرُ (بِالتَّرَدُّدِ) لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا (لِتَرَدُّدِ) جِنْسِ (الْمُتَأَخِّرِينَ) الصَّادِقِ بِوَاحِدٍ وَهُمْ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ طَبَقَةُ الشَّيْخِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ هُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ مُطْلَقًا (فِي النَّقْلِ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ كَنَقْلِهِمْ عَمَّنْ قَبْلَهُمْ حُكْمًا فِي نَازِلَةٍ فِي بَابٍ وَنَقْلِهِمْ عَنْهُ حُكْمًا آخَرَ فِيهَا فِي بَابٍ آخَرَ وَكَنَقْلِ بَعْضِهِمْ عَنْهُ حُكْمًا فِي نَازِلَةٍ وَنَقْلِ بَعْضِهِمْ الْآخَرِ حُكْمًا آخَرَ فِيهَا وَكَنَقْلِ بَعْضِهِمْ اتِّفَاقَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى حُكْمٍ فِي نَازِلَةٍ وَنَقْلِ غَيْرِهِ عَنْهُمْ الِاخْتِلَافَ فِيهَا وَسَبَبُ ذَلِكَ إمَّا اخْتِلَافُ قَوْلِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ أَوْ الِاخْتِلَافُ فِي مَعْنَى كَلَامِهِ.
(أَوْ) الْحُكْمِ الَّذِي اسْتَنْبَطُوهُ (لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ) عَلَيْهِ فَلَيْسَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ مَعْطُوفًا عَلَى التَّرَدُّدِ لِاقْتِضَائِهِ أَنَّهُ يُشِيرُ بِالتَّرَدُّدِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَوْ اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الْحُكْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ إذْ لَا تَرَدُّدَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ فَالْمَعْطُوفُ الْحُكْمُ، وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ النَّقْلُ وَالتَّرَدُّدُ فِي الْحُكْمِ إنْ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ فَمَعْنَاهُ التَّحَيُّرُ، أَوْ اخْتِلَافُ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُتَعَدِّدٍ فَمَعْنَاهُ اخْتِلَافُ الِاجْتِهَادِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَامَةً مُمَيِّزَةً بَيْنَ التَّرَدُّدَيْنِ، وَالْأَوَّلُ فِي كَلَامِهِ كَثِيرٌ وَالثَّانِي قَلِيلٌ كَقَوْلِهِ: وَفِي خُفٍّ غُصِبَ تَرَدُّدٌ، وَفِي رَابِغٍ تَرَدُّدٌ، وَفِي إجْزَاءِ مَا وُقِفَ بِالْبِنَاءِ تَرَدُّدٌ، وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ.
1 / 26
وَبِ " لَوْ " إلَى خِلَافٍ مَذْهَبِيٍّ، وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ مَنْ كَتَبَهُ، أَوْ قَرَأَهُ أَوْ حَصَّلَهُ أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا مِنْ الزَّلَلِ، وَيُوَفِّقُنَا فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، ثُمَّ أَعْتَذِرُ لِذَوِي الْأَلْبَابِ،
ــ
[منح الجليل]
(وَ) أُشِيرُ غَالِبًا (بِلَوْ) مَسْبُوقَةٍ بِوَاوِ النِّكَايَةِ وَلَا جَوَابَ لَهَا نَحْوُ قَوْلِهِ، أَوْ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا (إلَى) وُجُودِ (خِلَافٍ) بِالتَّنْوِينِ (مَذْهَبِيٍّ) كَذَلِكَ، نَعْتُ " خِلَافٍ " أَيْ مَنْسُوبٍ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ " ﵁ " لِوُقُوعِهِ فِيهِ إذَا كَانَ قَوِيًّا، وَإِلَّا فَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ عُلِمَ هَذَا مِنْ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ، تَعْبِيرُهُ بِلَوْ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ وَوَقَعَ لِلْمُصَنَّفِ عَكْسُ هَذَا فِي " إنْ " فَاسْتَعْمَلَهَا فِي مُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ غَالِبًا وَلِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ غَيْرِ الْمَذْهَبِيِّ قَلِيلًا.
(وَاَللَّهَ) أَيْ لَا غَيْرَهُ بِقَرِينَةِ التَّقْدِيمِ (أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ) أَيْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ (مَنْ) مِنْ صِيَغِ الْعَامِّ (كَتَبَهُ) أَيْ الْمُخْتَصَرَ لِنَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ بِأُجْرَةٍ (أَوْ قَرَأَهُ) أَيْ الْمُخْتَصَرَ لِيَحْفَظَهُ، أَوْ يَفْهَمَهُ أَوْ لِيَفْهَمْهُ، أَوْ يَتَفَهَّمْهُ (أَوْ حَصَّلَهُ) أَيْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَحَازَهُ بِشِرَاءٍ، أَوْ اسْتِعَارَةٍ أَوْ اسْتِئْجَارٍ (أَوْ سَعَى فِي شَيْءٍ) أَيْ بَعْضٍ (مِنْهُ) أَيْ الْمُخْتَصَرِ بِكِتَابَةٍ، أَوْ قِرَاءَةٍ، أَوْ تَحْصِيلٍ أَوْ اثْنَيْنِ مِنْهَا، أَوْ الثَّلَاثَةِ، أَوْ بِغَيْرِهَا كَإِعَانَةِ كَاتِبِهِ، أَوْ قَارِئِهِ، أَوْ مُحَصِّلِهِ كُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ، وَشُهْرَتُهُ، وَالْإِقْبَالُ عَلَيْهِ وَكَثْرَةُ الِاشْتِغَالِ بِهِ فِي جَمِيعِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ دَلَائِلُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَبِلَ مِنْهُ هَذَا السُّؤَالَ.
(وَاَللَّهُ يَعْصِمُنَا) أَيْ يَحْفَظُنَا (مِنْ الزَّلَلِ) أَصْلُهُ الْوُقُوعُ فِي نَحْوِ الْوَحْلِ وَاسْتَعْمَلَهُ فِي الْخَطَأِ لِتَشْبِيهِهِ بِهِ فِي تَرَتُّبِ النَّقْصِ عَلَى كُلٍّ وَاسْتَعَارَهُ لَهُ بَعْدَ التَّنَاسِي، وَالْإِدْرَاجُ عَلَى سَبِيلِ التَّصْرِيحِيَّةِ وَالْقَرِينَةُ حَالِيَّةٌ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى أَيْ اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا مِنْ الْخَطَأِ (وَيُوَفِّقُنَا) أَيْ يَخْلُقُ فِينَا كَسْبَ الطَّاعَةِ (فِي الْقَوْلِ، وَالْعَمَلِ) أَيْ كُلِّ أَقْوَالِنَا وَأَعْمَالِنَا الَّتِي مِنْهَا تَأْلِيفُ هَذَا الْكِتَابِ الْخَطِرِ.
(ثُمَّ أَعْتَذِرُ) أَيْ أُظْهِرُ عُذْرِي (لِذَوِي) أَيْ أَصْحَابِ (الْأَلْبَابِ) جَمْعُ لُبٍّ بِضَمِّ اللَّامِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ عَقْلٍ كَامِلٍ وَهُوَ نُورٌ رُوحَانِيٌّ بِالْقَلْبِ وَشُعَاعُهُ مُتَّصِلٌ بِالدِّمَاغِ آلَةٌ لِلنَّفْسِ فِي إدْرَاكِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وَالنَّظَرِيَّةِ يَبْتَدِيهِ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ نَفْخِ الرُّوحِ فِي الْجَنِينِ وَيُتِمُّهُ عِنْدَ
1 / 27
مِنْ التَّقْصِيرِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَأَسْأَلُ بِلِسَانِ التَّضَرُّعِ وَالْخُشُوعِ وَخِطَابِ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ: أَنْ يَنْظُرَ بِعَيْنِ الرِّضَا وَالصَّوَابِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ كَمَّلُوهُ،
ــ
[منح الجليل]
كَمَالِ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً وَخَصَّهُمْ بِهِ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يَقْبَلُونَهُ لِكَمَالِ إيمَانِهِمْ، وَصِلَةُ " أَعْتَذِرُ " (مِنْ) تَعْلِيلِيَّةٌ (التَّقْصِيرِ) مَصْدَرُ قَصَّرَ بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا أَيْ تَرْكِ الشَّيْءِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَأَرَادَ بِهِ لَازِمَهُ أَيْ الْخَلَلَ (الْوَاقِعِ) أَيْ الَّذِي شَأْنُهُ الْوُقُوعُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الَّذِي وَقَعَ بِالْفِعْلِ وَعَلِمَهُ؛ إذْ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إصْلَاحُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ وَالِاعْتِذَارُ مِنْهُ، وَصِلَةُ " الْوَاقِعِ " (فِي هَذَا الْكِتَابِ) الْعَظِيمِ، وَالْخَطْبِ الْجَسِيمِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَى مِثْلِهِ إلَّا بِإِمْدَادٍ إلَهِيٍّ وَتَوْفِيقٍ رَبَّانِيٍّ فَيَغْتَفِرُونَ لِي مَا لَعَلَّهُ يُوجَدُ فِيهِ مِنْ الْهَفَوَاتِ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مِنْ الْفُرُوعِ الْغَرِيبَةِ، وَالْمَسَائِلِ، وَالْمُهِمَّاتِ الْعَجِيبَةِ فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ.
(وَأَسْأَلُ) حَذَفَ الْمَسْئُولَ اخْتِصَارًا لِعِلْمِهِ مِمَّا سَبَقَ أَيْ أَسْأَلُهُمْ (بِلِسَانِ) ذِي (التَّضَرُّعِ) الْخُشُوعِ، أَوْ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى الْمُتَضَرِّعِ لِعَلَاقَةِ الِاشْتِقَاقِ، أَوْ جَعَلَ ذَاتَهُ تَضَرُّعًا مُبَالَغَةً فِي اتِّصَافٍ بِهِ، أَوْ شَبَّهَهُ بِإِنْسَانٍ فِي الِاسْتِدْعَاءِ وَأَثْبَتَ لَهُ اللِّسَانَ تَخْيِيلًا عَلَى طَرِيقِ الْمَكْنِيَّةِ وَالتَّخَيُّلِيَّةِ، أَوْ الْإِضَافَةِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ (وَالْخُشُوعِ وَخِطَابِ) أَيْ كَلَامٍ مَقْصُودٍ بِهِ الْإِفْهَامُ أَوْ صَالِحٍ لَهُ ذِي (التَّذَلُّلِ) وَتَجْرِي فِيهِ بَقِيَّةُ الْأَوْجُهِ السَّابِقَةِ أَيْضًا فِي لِسَانِ التَّضَرُّعِ.
(وَالْخُضُوعِ) وَالْخِطَابُ مَحَلُّ إطْنَابٍ فَلَا بَأْسَ بِجَمْعِ الْأَلْفَاظِ الْأَرْبَعَةِ الْمُتَرَادِفَةِ فِيهَا وَتَفَنَّنَ بِإِضَافَةِ اللِّسَانِ بِمَعْنَى الْكَلَامِ لِلتَّضَرُّعِ، وَالْخِطَابِ بِمَعْنَاهُ لِلتَّذَلُّلِ وَثَانِي مَفْعُولَيْ " أَسْأَلُ " (أَنْ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ صِلَتُهُ (يُنْظَرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ النَّظَرَ فِيهِ (بِعَيْنِ) ذِي (الرِّضَا) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِيهِ بَقِيَّةُ الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ السَّابِقَةِ أَيْضًا (وَالصَّوَابِ) أَيْ الْإِنْصَافِ.
(فَمَا) الْفَاءُ تَفْرِيعِيَّةٌ وَمَا شَرْطِيَّةٌ وَ(كَانَ) تَامَّةٌ وَفَاعِلُهَا عَائِدٌ عَلَى مَا وَ(مِنْ نَقْصٍ) بَيَانٌ لِمَا أَيْ إسْقَاطُ لَفْظٍ مُخِلٍّ بِالْمُرَادِ (كَمَّلُوهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ فِعْلٌ مَاضٍ جَوَابُ مَا وَبِكَسْرِهَا فِعْلُ أَمْرٍ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ لَهُ بِالشَّرْطِ وَمُرَادُهُ بِهِ الْإِتْيَانُ بِاللَّفْظِ النَّاقِصِ فَالنَّقْصُ
1 / 28
وَمِنْ خَطَأٍ أَصْلَحُوهُ، فَقَلَّمَا يَخْلُصُ مُصَنَّفٌ مِنْ الْهَفَوَاتِ، أَوْ يَنْجُو مُؤَلِّفٌ مِنْ الْعَثَرَاتِ.
ــ
[منح الجليل]
مَعْنَاهُ النَّاقِصُ، أَوْ الْمَنْقُوصُ مِنْهُ لِعَلَاقَةِ الِاشْتِقَاقِ فِيهِمَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَكْمِيلَ النَّقْصِ بِحَذْفِ بَاقِي الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ كَلِمَةً أَوْ الْكَلِمَةِ النَّاقِصَةِ حَرْفًا مَثَلًا وَلَا تَكْمِيلَ الْأَحْكَامِ بِذِكْرِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ لِمُنَافَاةِ هَذَا لِلِاخْتِصَارِ وَعَدَمِ تَنَاهِيهِ.
(وَ) مَا كَانَ (مِنْ خَطَأٍ) فِي الْمَعْنَى، وَالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْكَلَامِ (أَصْلَحُوهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ فِعْلٌ مَاضٍ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ، أَوْ الْحَاشِيَةِ، أَوْ التَّقْرِيرِ بِأَنَّهُ سَهْوٌ، أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ كَذَا هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ كَذَا، أَوْ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ لَا بِتَغْيِيرٍ فِي صُلْبِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَا فِيهِ هُوَ الصَّوَابَ وَمَا فَهِمَهُ النَّاظِرُ خِلَافَهُ فَيَلْزَمُ إبْدَالُ الصَّوَابِ بِالْخَطَأِ قَالَ اللَّهُ ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١١] . وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وَآفَتُهُ مِنْ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
وَالْحَذَرُ مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مِثْلِ الْمُصَنِّفِ؛ إذْ الْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (فَقَلَّ) الْفَاءُ لِلتَّعْلِيلِ وَقَلَّ لِلنَّفْيِ (مَا) حَرْفٌ كَافٌّ لِ قَلَّ عَنْ طَلَبِ الْفَاعِلِ أَيْ لَا (يَخْلُصُ) أَيْ يَسْلَمُ (مُصَنِّفٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ مُشَدَّدَةً أَيْ مُؤَلِّفٌ وَصِلَةُ " يَخْلُصُ " (مِنْ الْهَفَوَاتِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَالْفَاءِ جَمْعُ هَفْوَةٍ أَيْ خَطَأٍ فِي الْمَعَانِي.
(أَوْ يَنْجُو مُؤَلِّفٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً وَصِلَةُ " يَنْجُو " (مِنْ الْعَثَرَاتِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، وَالْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ عَثْرَةٍ أَيْ سَقْطَةٍ أَرَادَ بِهَا الْخَطَأَ فِي الْأَلْفَاظِ وَتَرْكِيبِهَا وَيَحْتَمِلُ الْعَكْسَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْخَطْبُ مَحَلُّ إطْنَابٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَحَلُّ النِّسْيَانِ وَالْقَلْبُ يَتَقَلَّبُ فِي كُلِّ آنٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ " قَلَّ " لِلتَّقْلِيلِ وَ" مَا " مَصْدَرِيَّةٌ، وَالْمَصْدَرَ فَاعِلُ " قَلَّ " أَيْ قَلَّ خُلُوصُ إلَخْ.
1 / 29
(بَابٌ) يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمُطْلَقِ، وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ
ــ
[منح الجليل]
[بَابٌ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ]
(بَابٌ) أَيْ أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ أَحْكَامُ الطَّهَارَةِ وَمَا يُنَاسِبُهَا وَهِيَ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا بِالْمَاءِ، أَوْ الصَّعِيدِ وَهَذَا هُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى صِفَةٍ تَقْدِيرِيَّةٍ شَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا أَيْ يُقَدِّرُ الشَّارِعُ قِيَامَهَا بِالْحَيِّ، وَالْجَمَادِ غَيْرِ الْمُسْكِرِ وَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَبِالْآدَمِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ عِنْدَ رَفْعِ الْمَانِعِ عَنْهُ بِمَا ذُكِرَ.
(يُرْفَعُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ يُزَالُ (الْحَدَثُ) أَيْ الْوَصْفُ الْمَانِعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا الْمُقَدَّرُ شَرْعًا قِيَامُهُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، أَوْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ عِنْدَ مُوجِبِهِ.
(وَحُكْمُ) أَيْ الْوَصْفُ الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا قِيَامُهُ بِ (الْخَبَثِ) أَيْ ذَاتِ النَّجَاسَةِ وَمَا تَلَطَّخَ بِهَا مِنْ بَدَنِ آدَمِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ وَصِلَةُ " يُرْفَعُ " (بِالْمُطْلَقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَصْلُهُ مَفْعُولُ " أَطْلَقَ "، ثُمَّ نُقِلَ شَرْعًا لِجِنْسِ الْمَاءِ الطَّهُورِ، وَالرَّفْعُ إمَّا غُسْلٌ، أَوْ مَسْحٌ أَوْ نَضْحٌ، وَالْمَسْحُ إمَّا أَصْلِيٌّ كَمَسْحِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِمَّا بَدَلِيٌّ وَهَذَا إمَّا اخْتِيَارِيٌّ كَمَسْحِ الْخُفِّ فِيهِ، وَإِمَّا اضْطِرَارِيٌّ كَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ، وَالْغُسْلُ إمَّا لِجَمِيعِ الْبَدَنِ أَوْ لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ سِوَى الرَّأْسِ، وَالْأُذُنَيْنِ، أَوْ لِمَا تَلَطَّخَ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ بَدَنِ آدَمِيٍّ، أَوْ غَيْرِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: الِاقْتِصَارُ فِي مَقَامِ التَّبْيِينِ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ إذْ الصَّعِيدُ الطَّاهِرُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثِ عَنْ مَحَلِّ الِاسْتِجْمَارِ وَمَلْبُوسِ الرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ وَذَيْلِ الْمَرْأَةِ الْمُطَالِ لِلسَّتْرِ،.
قُلْت: الْمُرَادُ الْحَصْرُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بِالرَّفْعِ وَعَدَمِهِ مَعَ الْعَفْوِ.
(وَهُوَ) أَيْ تَعْرِيفُ الْمُطْلَقِ (مَا) أَيْ شَيْءٌ جِنْسٌ شَمِلَ الْمُطْلَقَ وَغَيْرَهُ (صَدَقَ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَيْنِ أَيْ صَحَّ أَنْ يَحْصُلَ (عَلَيْهِ) أَيْ الشَّيْءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ لَفْظًا، وَفَاعِلُ
1 / 30
اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ أَوْ كَانَ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ فَضْلَةَ طُهَارَتِهِمَا
ــ
[منح الجليل]
صَدَقَ " (اسْمُ مَاءٍ) بِالْمَدِّ، وَإِضَافَتُهُ لِلْبَيَانِ أَيْ اسْمٌ هُوَ لَفْظُ مَاءٍ فَصْلٌ مُخْرِجٌ كُلَّ مَا لَمْ يَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ مَاءً، جَامِدًا كَانَ كَالصَّعِيدِ، أَوْ مَائِعًا كَالزَّيْتِ، وَالْعَسَلِ، وَصِلَةُ " صَدَقَ ".
(بِلَا قَيْدٍ) فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ مَا لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْمَاءُ إلَّا بِقَيْدٍ نَحْوُ مَاءِ الْوَرْدِ وَمَاءِ الزَّهْرِ وَمَاءِ الرَّيْحَانِ وَشَمِلَ مَاءَ الْبَحْرِ وَمَاءَ الْمَطَرِ وَمَاءَ الْعَيْنِ وَمَاءَ الْغَدِيرِ وَمَاءَ النَّدَى وَنَحْوَهَا لِصِحَّةِ حَمْلِ الْمَاءِ عَلَيْهَا بِلَا قَيْدٍ، وَلَمَّا تُوُهِّمَ عَدَمُ شُمُولِهِ النَّدَى الْمَجْمُوعَ وَالذَّائِبَ بَعْدَ جُمُودِهِ بَالَغَ عَلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ (وَإِنْ جُمِعَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الْمُطْلَقُ فِي يَدِ رَافِعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ، أَوْ غَيْرِهَا، وَصِلَةُ جُمِعَ (مِنْ نَدًى) بِفَتْحِ النُّونِ مَقْصُورٌ رَأْيُ بَلَلٍ نَازِلٍ مِنْ السَّمَاءِ آخِرَ اللَّيْلِ عَلَى وَرَقِ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا فَهُوَ مُطْلَقٌ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَحُكْمَ الْخَبَثِ وَلَوْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ، أَوْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ اثْنَانِ، أَوْ الثَّلَاثَةُ بِمَا جُمِعَ مِنْ فَوْقِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ بِالْقَرَارِ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ (أَوْ ذَابَ) أَيْ تَمَيَّعَ الْمُطْلَقُ بِنَفْسِهِ، أَوْ تَسْخِينِهِ بِشَمْسٍ، أَوْ نَارٍ (بَعْدَ جُمُودِهِ) كَثَلْجٍ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مُتَحَلِّلًا كَرَغْوَةِ صَابُونٍ جَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ غَيْرِهَا حَتَّى صَارَ كَالْحَجَرِ، ثُمَّ ذَابَ، وَبَرَدٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ نَزَلَ مِنْهَا جَامِدًا كَالْحَجَرِ ثُمَّ ذَابَ، وَجَلِيدٍ نَزَلَ مِنْهَا مُتَّصِلًا بِخَيْطٍ، ثُمَّ ذَابَ، وَمَاءٍ جَمَدَ مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ، ثُمَّ ذَابَ بِالتَّسْخِينِ.
(أَوْ كَانَ) أَيْ الْمُطْلَقُ (سُؤْرَ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزِ يُخَفَّفُ بِإِبْدَالِهِ وَاوًا أَيْ بَاقِيًا بَعْدَ شُرْبِ (بَهِيمَةٍ) وَلَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ جَلَّالَةً؛ إذْ الْكَلَامُ الْآنَ فِي الطَّهُورِ الشَّامِلِ لِلْمُبَاحِ، وَالْمَكْرُوهِ هُوَ الْمُحَرَّمُ كَمَاءِ آبَارِ نَحْوِ ثَمُودَ (أَوْ) سُؤْرَ (حَائِضٍ) وَنُفَسَاءَ (وَجُنُبٍ) وَلَوْ كَافِرَيْنِ، أَوْ شَارِبَيْ خَمْرٍ شَرِبَا مِنْهُ مَعًا وَأَوْلَى أَحَدُهُمَا (أَوْ) كَانَ الْمُطْلَقُ (فَضْلَةً) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَقِيَّةَ (طُهَارَتِهِمَا) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الْبَاقِيَ بَعْدَ اغْتِسَالِ الْحَائِضِ، وَالْجُنُبِ مَعًا مِنْ الْمَاءِ وَأَوْلَى الْبَاقِي بَعْدَ اغْتِسَالِ أَحَدِهِمَا فَإِضَافَةُ " فَضْلَةَ " لِلْبَيَانِ.
1 / 31