الهاشميين وأنصارهم وظلت العقيلة ليلتها تلك ساهرة العين تنتقل من خيمة الى خيمة ومن خباء الى خباء بين النساء والأطفال واخواتها حتى إذا اقبلت ضحوة النهار وسقط اكثر انصار اخيها ومن معه من بنيه واخوته وابناء عمه على ثرى الطف ، ورجع الحسين للوداع الاخير وزينب على جانبه كالمذهولة قال لها : مهلا اخية لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تشمتي بنا الاعداء ، وأوصاها بالنساء والاطفال ، فقالت له : طب نفسا وقر عينا فانك ستجدني كما تحب ان شاء الله.
ولما سقط عن جواده صريعا اسرعت على مصرعه وصاحت تستغيث بجدها وأبيها وأوشكت الصرخة ان تنطلق من حشاها اللاهب عندما رأت رأسه مفصولا عن بدنه والسيوف والسهام قد عبثت بجسمه وقلبه ورأت اخوتها وبنيها وأبناء عمومتها من حوله كالأضاحي ومعها قافلة من النساء والاطفال وأمامها صفوف الاعداء تملأ صحراء كربلاء فرفعت يديها في تلك اللحظات الحاسمة نحو السماء لتند عن فمها عبقة من فيض النبوة والخلود تناجي ربها وتتضرع اليه قائلة : اللهم تقبل منا هذا القربان.
وهكذا كان على العقيلة ان تنفذ وصية اخيها وتثبت في وجه تلك الاهوال وأن تحمل قلبا كقلب ابيها في غمار جولاته وتقف كالطود الشامخ في وجه اولئك الذين وقفوا إلى جانب يزيد بن ميسون وجلاديه الممعنين في انتهاك الحرمات والمقدسات والذين باعوا ضمائرهم لاولئك الطغاة الجناة بأبخس الاثمان.
ويقطع الحادي الطريق من كربلاء إلى الكوفة والسبايا على اقتاب الجمال تتقدمهم رؤوس سبعين من الانصار وعشرين من أحفاد ابي طالب بينهم رأس الحسين سيد شباب اهل الجنة ، وما ان أطل موكب السبايا والرؤوس ودنت طلائعه من مداخل الكوفة حتى ازدحم الناس في الطرقات ومن على المشارف والنساء على سطوح المنازل ولم يكن نبأ
Page 66