فصل
وأما الْخَمْر وَالْحَرَام هَلْ هُوَ رِزْقُ اللَّهِ لِلْجُهَّالِ أَمْ يَأْكُلُونَ مَا قُدِّرَ لَهُمْ؟
والجواب: أَنَّ لَفْظَ الرِّزْقِ يُرَادُ بِهِ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ لِلْعَبْدِ أو مَلَّكَهُ إيَّاهُ، وَيُرَادُ بِهِ مَا يَتَقَوَّى (١) بِهِ الْعَبْدُ.
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾، وقوله: ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، فَهَذَا الرِّزْقُ هُوَ الْحَلَالُ وَالْمَمْلُوكُ، لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ وَلا الْحَرَامُ.
وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾، وَاللَّهُ - تَعَالَى - يَرْزُقُ الْبَهَائِمَ وَلَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا تَمْلِكُ، وَلَا بِأَنَّهُ أَبَاحَ اللَّهُ لَهَا ذَلِكَ إبَاحَةً شَرْعِيَّةً، فَإِنَّهُ لَا تَكْلِيفَ عَلَى الْبَهَائِمِ، وَ[كَذَلِكَ] الْأَطْفَالُ وَالْمَجَانِينُ، لَكِنْ كما أنه لَيْسَ (بملك) (٢) وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهَا، وَأما الْمُحَرَّمُ الَّذِي (٣) يَتَغَذَّى بِهِ الْعَبْدُ فَهُوَ مِنْ الَّذِي (٤) [عَلِمَ] اللَّهُ أَنَّ العبد يغتذي بِهِ، وَقَدَّرَ ذَلِكَ ليس هو مما أَبَاحَهُ وَمَلَّكَهُ، كَمَا فِي الصَّحِيح عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إليه الْمَلَكُ، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُقَالُ: اُكْتُبْ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، ثم قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلَهَا، وَإِنَّ