بنقط أبي الأسود للدلالة على الرفع والنصب والجر والتنوين، وهو ما أجمعوا عليه قديما ولم يشك فيه حديثا أحد. و"الشكل" أعود على حفظ النصوص من حدود النحو؛ ولعله أعظم خدمة قدمت للعربية حتى الآن، وكان الخطوة الأولى إلى النحو كما ذهب إليه الأستاذ أحمد أمين١.
وينص أبو الطيب اللغوي على أن أبا الأسود وضع النحو ليتعلم بنو زياد٢. "واختلف الناس إليه يتعلمون العربية، وفرع لهم ما كان أصله، فأخذ ذلك عنه جماعة".
وليس يعنينا هنا تحرير هذه الأولية بتفصيل٣، لكننا لا نرى
_________
١ ضحى الإسلام ٢/ ٢٨٧، وانظر مراتب النحويين ص١٠.
٢ مراتب النحويين ٨، ١٠.
٣ وما أقرب رواية أبي الفرج من الواقع والاعتدال حين سلسل لنا الخطوات في عبارة فيها كثير من الاقتصاد، قال راويا عن المدائني:
"أمر زياد أبا الأسود الدؤلي أن ينقط المصاحف فنقطها، ورسم من النحو رسوما ثم زاد فيها بعده عنبسة بن معدان ثم جاء عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وأبو عمرو بن العلاء فزادا فيه، ثم جاء الخليل بن أحمد الأزدي وكان صليبة، ونجم علي بن حمزة الكسائي مولى بني كاهل من أسد فرسم للكوفيين رسوما فهم الآن يعملون عليها". الأغاني ١١/ ١٠١، وسيمر بك بعض تفصيل عن هؤلاء الأعلام، ولا بأس في تنبيهك إلى أن أبا الفرج نص في أول ترجمته لأبي الأسود على أنه "كان الأصل في بناء النحو وعقد أصوله".
وابن سلام يقول: أول من استن العربية وفتح بابها وانتهج سبيلها ووضع قياسها أبو الأسود" طبقات فحول الشعراء ص١٢، طبعة دار المعارف.
وللزبيدي الأندلسي المتوفى سنة ٣٧٩هـ رواية مفيدة يسلسل فيها الخطوات الأولى في كتابه طبقات النحويين واللغويين ص٢١٥ قال:
"ابن أبي سعد قال: حدثنا علي بن محمد الهاشمي قال: سمعت أبي يذكر قال:
كان بدء ما وضع أبو الأسود النحو أنه مر به سعد وكان رجلا فارسيا قدم البصرة مع أهله، وكان يقود فرسه فقال: ما لك يا سعد! ألا تركب؟ فقال: "فرسي ضالع" فضحك به من حضره. قال أبو الأسود: هؤلاء الموالي قد رغبوا في الإسلام ودخلوا فيه وصاروا لنا إخوة، فلو علمناهم الكلام، فوضع باب الفاعل والمفعول لم يزد عليه قال أبي: فزاد في ذلك الكتاب رجل من بني ليث أبوابا، ثم نظر فإذا في كلام العرب ما لا يدخل فيه فأقصر عنه، فلما كان عيسى بن عمر قال: "أرى أن أضع الكتاب على الأكثر وأسمي الأخرى لغات، فهو أول من بلغ غايته في كتاب النحو".
1 / 28