Min Naql Ila Ibdac Tanzir
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٣) التراكم: تنظير الموروث قبل تمثل الوافد - تنظير الموروث - الإبداع الخالص
Genres
وباقي رسائل ابن سينا المنشورة في حيدر أباد مع الدعوة لحراستها من الفتن والمخاطر الداخلية والخارجية. فلا فرق بين النص والموقع، بين العمل والمدينة، بين الفكر والأمة، بين العقل والتاريخ. ويعلن عن الطبع في هذه البيئة الدينية مع ذكر التاريخ الهجري والصلاة والسلام على الرسول ومقابلة الطبع على النسخة القديمة وتحديد مكانها ورقمها وتصنيفها ومقابلتها مع النسخ الأخرى في أماكن أخرى، وذكر المصحح وألقابه وخبرته واسمه والدعوة له بالسلامة. بل لقد قلد المستشرقون ذلك فسمى المستشرق نفسه العبد الفقير إلى رحمة ربه. كما سمى ليدن المحروسة.
وتقترن بالدعوة إلى الله الدعوة إلى السلطان. ويشتق اسم الرسالة من اسمه كما فعل ابن سينا في «الرسالة النيروزية» لخدمة السلطان مولانا نيروز مع الدعوة لإدامة عزه ومدح جود اليد، وعرض خدمات ابن سينا حكيم البلاط له، وإعطائه أربعة ألقاب: المولى، والشيخ، والأمير، والسيد. ويكررها مرتين في مقدمة الرسالة. ثم يتواضع ابن سينا لدرجة الخضوع والتذلل، ويعتبر نفسه واحدا من القوم، من الرعية، من السواد الأعظم، يريد إعطاء هوية فكرية وليست دنيوية وكأن الفكر صناديق ومعلبات للخزانة الكريمة وليس للعقول، للأمير وليس لمجموع الأمة. بل يحتاج ابن سينا إلى مقابلة الأمير لمشافهته بها، والوقوف على الأعتاب السنية في الحضرة الملكية.
82 (3) تنظير الموروث المنطقي والعلمي
ولم يقتصر التنظير على علوم الحكمة وحدها الطبيعيات والإلهيات والنفسانيات بل امتد أيضا إلى آلة العلوم المنطقية وإلى العلوم الرياضية مثل الفلك والطبيعة مثل الطب والتي أصبحت علوما موروثة خالصة حتى ولو كانت في بداياتها وافدة بعد أن تحول الوافد إلى موروث. واستمر من القرن السادس حتى القرن الثالث عشر بداية فجر النهضة العربية على عكس الحكم الشائع أن الفلسفة انتهت بعد ابن رشد. (أ) تنظير الموروث المنطقي
ويبدأ ذلك عند ابن رشد المعروف بالشارح الأعظم وأكبر متمثل للوافد وشارح وملخص وجامع له. ويقوم ابن رشد بذلك في مقالاته الصغرى. ففي كتاب «العبارة لأبي نصر» لا يظهر إلا الموروث كدليل على التراكم الفلسفي من الفارابي وكما هو واضح في العنوان.
83
يظهر أبو نصر ثم ابن وهيب والفراء وأبو بكر.
84
ويستعمل ابن رشد نفس المنهج الشارح ولكن هذه المرة للفارابي وليس لأرسطو، للداخل وليس للخارج، للموروث وليس للوافد. فأول عبارة في المقال للفارابي، والموضوع لغوي محلي صرف لا شأن له بالوافد، ودلالة الاسم المشتق على المعنى والموضوع، وصلة اللفظ بالمعنى بالشيء. فالكلمة تدل على الفعل في الزمان المحصل وعلى المعنى والموضوع. ولا يشارك المعنى الأسماء المشتقة لأنها تشير إلى شيء وليس فقط إلى معنى. ورباط القضية يحيل إلى هذا الشيء. ويتجه ابن رشد إلى عدم تخطئة الفارابي. فالفيلسوف البرهاني لا يعارض الفيلسوف المنطقي؛ إذ إن حكيمها يشارك في منطق البرهان. ويعارض الفيلسوف الإشراقي سواء كان الفارابي أو ابن سينا. وكعادة ابن رشد في الشرح يستنبط النتائج من المقدمات، ويصف مسار الفكر، بداياته ونهاياته، ويتتبع منطق استدلاله، ويراجع أحكامه. ويبدأ المقال بالبسملة وطلب العون من الله والصلاة والسلام على محمد وينتهي بالله أعلم.
وفي «انعكاس القضايا» يغيب الوافد كلية ولا يحضر إلا الموروث، أبو نصر، ثم ابن سينا دون أرسطو أو أحد من شراح اليونان.
Unknown page