Min Naql Ila Ibdac Talif
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Genres
ومن الوافد يأتي جالينوس في المقدمة، في وسط الفقرة وفي بدايتها، بالاسم الكامل أو بالحرف. وقد يذكر رواية عن آخرين مثل قسطا، وتذكر مؤلفاته دون اسمه، مثل حيلة البرء؛ نظرا لشهرتها دون الحاجة إلى نسبة. ويذكر أبقراط وأفلاطون من خلاله نظرا لمقارنته بينهما. وبعض المؤلفات تنسب إلى جالينوس نظرا للشك في صحتها. وبعد جالينوس يأتي ديسقوريدس، والغالب عليها ذكر الأمراض والأدوية، ثم روفس، ثم أبقراط، ثم عشرات الأطباء تباعا، الأكثر تردادا فالأقل. ويتضح تواري أرسطو كلية أمام أطباء اليونان.
23
أما الموروث فإنه يغلب عليه الأطباء النصارى، حلقة الوصل بين الوافد والموروث. ولما كانوا من النصارى العرب كانوا أقرب إلى الموروث منهم إلى الوافد. والأقلية منهم من اليهود. ويأتي في المقدمة ابن ماسويه، ثم أهرن القس،
24
ثم اليهودي دون اسم بل تكفي الملة، ثم حنين بن إسحاق، ثم علي بن ربن الطبري، ثم الكندي طبيبا، ثم ثياذوق وشمعون، ثم مسيح الدمشقي، ثم بختيشوع، ثم ماسرجويه وجرجس، ولا يغيب الموروث الشرقي الفارسي والهندي خاصة في أسماء الأدوية.
25
وكان الرازي على وعي بالفرق بين الطب الجديد والطب القديم، وكثير الإشارة إلى الطب القديم. وبالرغم من حداثة الرازي إلا أن التراكم التاريخي لديه واضح، ليس فقط نصارى اليونان، بل أطباء المسلمين مثل الكندي إعلانا عن مصادره. وتتفاوت أجزاء الحاوي بين النقل والإبداع؛ إذ يقل الإبداع في البداية ويزداد النقل، في حين يزداد الإبداع في النهاية ويقل النقل. وكالعادة يبدأ كل جزء بالبسملة، وينتهي بالحمدلة والصلاة على الرسول، دون ذكر لآيات القرآن أو أحاديث النبي. كما تظهر العبارات الدينية التقليدية، مثل المشيئة الإلهية والتوفيق الإلهي. (ج) ويدل كتاب «الشكوك للرازي على كلام فاضل الأطباء جالينوس في الكتب التي نسبت إليه» للرازي أيضا على قدرة الموروث على نقد الوافد وتجاوزه، بالرغم من الاعتراف بفضله. ويذكر ذلك بكتاب ابن الهيثم «الشكوك على بطليموس»، وهو دفاع عن جالينوس، وتبديد الشكوك حوله اعتمادا على نصوصه، والتأليف بينها، ورفع التناقض منها، بالرغم من استجهال الناس للرازي ولومه وتعنيفه، واتهامه بأنه يستعذب مناقضة رجل بقامة جالينوس، وهو اتهام غير صحيح؛ فالرازي يقدر جالينوس وأستاذيته له ومنفعته بمؤلفاته، ومع ذلك فإيثار الحق أولى من التبعية للأساتذة وتقليدهم، وهو ما فعله جالينوس نفسه في كتاب «منافع الأعضاء» عندما وبخ من يقبل منه بغير برهان. ولو كان جالينوس حيا لما لام الرازي على الإفصاح عن هذه الشكوك، بل لحمده وشكره؛ لذلك قال أرسطو: «أحب أفلاطون، ولكن حبي للحق أعظم.» ولا يعني ذلك أن المتأخرين أفضل من المتقدمين، بل يعني أن المتقدمين معرضون للسهو والغفلة الموكلة بالبشر، وغلبة الهوى على الرأي، وأن الصناعات تزداد وتقترب من الكمال على الأيام. وقد ناقض ثاوفرسطس أرسطوطاليس في أوضح أجزاء الفلسفة بعد الهندسة الذي هو المنطق. وبين ثامسطيوس غلطه في كثير من المواضع، ويتعجب من ذهاب ذلك على الحكيم. وقدر جالينوس نفسه على القدماء والأجلة من أهل زمانه وصبره عليهم، وأطال الكلام فيهم. ولم ينج من نقده أحد من الفلاسفة أو الأطباء، وكلامه عليهم حق. ولا يسلم من النقد إلا كتب الله المنزلة التي لا يجوز مراعاتها ما دام المخبر بها حقا لم يقصر في بيانه.
26
لذلك تكثر أفعال القول «قال»، ومعه «أقول»، تحولا من النقل إلى الإبداع، وتجاوزا للمنقول إلى المعقول. ويتخيل الرازي الاعتراض سلفا ويرد عليه في صيغة شرطية «فإن قيل»، أو «إن قال قائل»، ثم جواب الشرط «قيل». ومع فعل القول تأتي باقي أفعال الشعور المعرفي، مثل «أتى»، «أخذ»، «نظر»، «بان»، «ظن» ... إلخ.
27
Unknown page